كلما أرادت الدول المتقدمة إنشاء مشروعات عملاقة أو مجمعات ضخمة تتصل بصناعات ملوثة للبيئة تحيلها إلي الدول النامية لأنها تعلم جيدا أن حكوماتها المسئولة عن اتخاذ القرار بالإنشاء من عدمه لا تهتم إلا بالمصالح المادية ولا تمثل صحة شعوبها أو نقاء مواردها الطبيعية بل والأسوأ من ذلك فهي تجهل أو تتجاهل ما ستدفعه لاحقا من تكاليف فعلية لعلاج آثار التلوث سواء علي مستوي الصحة أو فقدان مناطق بأكملها كان من الممكن استغلالها للسياحة البيئية.ورغم أن القرار الصائب دائما ما يأتي بعد جني نتائج مريرة لتجارب سابقة إلا أن ذلك لا يحدث في مصرنا العزيزة.
في الماضي حلت أكبر كارثة بمنطقة حلوان التي يأتي إليها السياح من كل مكان قاصدين الاستشفاء باعتبارها مشتي فتحولت إلي أكثر بقاع العالم تلوثا بسبب مصانع الأسمنت التي دمرت صحة أهل حلوان وما حدث في حلوان تكرر في شبرا الخيمة التي كانت في الأصل مدينة صناعية زخف عليها العمران فلم يجد الناس من يمنعهم من إقامة بيوتهم وسط الماسك ولم يجد الأطفال من يحيمهم عندما شيدت المدارس في أجواء محملة بالرصاص القائل,وجميعنا نعلم أن هذا الزحف لم يكن وليد الرغبة الخالصة في الانتحار لكنه كان نتيجة للمتلازمة الشهيرةالفقر والجهلفالناس لا يعلمون ما يجلبون علي أنفسهم من كوارث ويدفعهم ضيق ذات اليد للبحث عن سكن في أماكن منخفضة الأسعار.لكنهم للأسف لا يجدون من يحميهم من جهلهم أو فقرهم.
للأسف أننا في مصر ننقل المساكن للصحراء وننشئ المصانع في الأماكن المتميزة.ألهذا الحد تدنت قيمة المواطن المصري؟فما يقال عن دراسات الأثر البيئي وتقييم المخاطر واهتمام الجهات المعنية بنواتج المجهات الصناعية ومعالجتها أو دفنها.كلام جميل لكن من المفترض أن يأتي بعد اختيار المكان فلابد من اتخاذ قرار سيادي بعدم انتشار أية تجنعات صناعية داخل الكتل السكنية أو علي شواطئ البحار أو ضفتي النيل فهناك ثوابت تمثل ألف باء البيئة في الاختيار الأولي للمكان وهذا أول المعايير التي يمكن أن تتحدث عنها الجماعات المدافعة عن البيئة والجمعيات العاملة في المجتمع المدني.
لنا مثال قوي في مجمع البتروكيماويات المزمع انشاؤه في دمياط علي حافة ميناء دمياط الجديدة علي ساحل البحر المتوسط والذي رفضت القوات المسلحة تولي الانتشار لنا أدركته من خطورة علي الموقع.فمن حظ دمياط أن وجدت رفضا من القوات المسلحة بينما لم تجد حلوان ولا شبرا الخيمة في الماضي ولن تجدس أوص في المستقبل وحتي دمياط لا نعلم هذا الرفض مجرد موقف أم بداية لاتخاذ فرار جاد لترحيل المجمع لمنطقة أخري,فعلي غراره يوجد آخر في بورسعيد علي مساحة80 فدان وسيعمل مع بداية عام2009 بطاقة إنتاجية قدرها 350 ألف طن سنويا تقول الدراسات أنه سيتم تخصيص 65% إنتاجه للتصدير للأسواق العالمية-سبحان الله ندمر أنفسنا لنصدر لدول أخر أراينا تضحية أعظم من ذلك؟! وآخر في كفر الشيخ بطاقة16.3% لإنتاج الوقود والعطريات والايثيلين والبولي ايثيلين وغيرها من الصناعات البتروكيماوية وسينتج 7ملايين طن من السولار بالمواصفات الأوربية 3.5مليون طن من البنزين عالي الجودة بالمواصفات الأمريكية 1.2مليون طن من وقود الطائرات عالي الجودة أيضا.أمام التضحيات التي تقدمها مصر لأبناء الدول الأخري للحفاظ علي صحتهم بتوفير المنتجات عالية الجودة وتصنيعها علي أراضينا وسط الأماكن المتميزة فلا نستطيع أن نقول إلا أننا أكيد أكيد أكيد في مصر!!!