عنوان هذا المقال يحمل رقم2 لأنه يمثل اللقاء الثاني حول تداعيات القضية الفلسطينية والاجتياح الإسرائيلي لغزة مع شخصية أمريكية سبق أن عرضت لها وأعترف أنها جذبتني بوقارها وحجتها وموضوعية آرائها..إنها شخصية جون جوزيف ميرشايمر (مواليد 1947) المفكر والسياسي والخبير في العلاقات الدولية, والذي ينتمي إلي المدرسة الواقعية, ويعد من أكثر المؤثرين في الأمور السياسية ويشغل منصب أستاذ محاضر في العلوم السياسية, في جامعة شيكاجو… وكان لقائي الأول مع آرائه في هذا المكان منذ نحو شهرين بتايخ 17 مارس الماضي.
اللقاء الذي أعرض له اليوم جري بتاريخ 2 مايو الجاري في برنامجتقييم الحرية Judging Freedom بين مقدمه القاضيأندرو نابوليتانو والأستاذ جون ميرشا يمر… وكان المحور الذي فجر الحوار هو تداعيات المظاهرات الطلابية التي اجتاحت الجامعات الأمريكية منددة بما يحدث في غزة من جانب آلة الحرب الإسرائيلية, ورافعة شعارمن النهر إلي البحر فليكن الجميع أحرارا… وهو ما أدي إلي موجة شرسة صادرة عن الإدارة الأمريكية لإدانة تلك المظاهرات واتهامها بمعاداة السامية… وأقدم فيما يلي الملامح الرئيسية في هذا اللقاء:
0 بالأمسأول مايو تم تمرير تشريع في مجلس النواب بالكونجرس وإرساله إلي مجلس الشيوخ يقضي بإدانة كل من يتبني شعارمن النهر إلي البحر فليكن الجميع أحرارا واتهامه بمعاداة السامية ويتوجب علي ذلك عقاب كل من الكوارد التعليمية أو المؤسسة التعليمية التي صدر عنها ذلك الشعار وحرمانها من الدعم الفيدرالي… والآن ما تعريفكم لمفهوم معاداة السامية.
00 المشكلة هنا تكمن في أن أنصار إسرائيل في الولايات المتحدة الأمريكية يتهمون كل من ينتقد إسرائيل أو العلاقات الأمريكية الإسرائيلية بمعاداة السامية… لقد تم إفراغ تعبير معاداة السامية من مضمونه حتي بات يستخدم لإدانة كل من يهاجم إسرائيل أو ينتقد أفعالها بما يثير مؤيديها.. فالأمور هنا تختلط بين ما يسمح به التعديل الأول للدستور الأمريكي من حرية التعبير وبين ما يؤجج الكراهية والرفض لدي مناصري إسرائيل… فمهما كان الاحتجاج إزاء ما ترتكبه آلة الحرب الإسرائيلية في غزة أو حتي التعبير عن ازدراء اليهود, يظل الأمر مرهونا بحرية التعبير ولا يليق أن يضل الطريق ويستخدم للإيقاع بالمحتجين واتهامهم بمعاداة السامية… ودعني أضيف أن من خلال فحص المشاركين في الاحتجاجات الجامعية التي اجتاحت الجامعات الأمريكية تبين أن الأمر غير مقصور عليمعاداة السامية فهناك عدد غير محدود من المشاركين من اليهود أنفسهم, وعدد غير محدود من الذين تم إلقاء القبض عليهم من اليهود أنفسهم, وهو ما يؤكد أن استهجان ما تفعله آلة الحرب الإسرائيلية في غزة ليس مقصورا علي الفلسطينيين وحدهم.
0 ما تعريفكم للصهيونية؟
00 الصهيونية هي التزام تجاه دولة إسرائيل, طبقا لما جاء في كتاب ثيودور هرتزل الملقب بالأب الروحي للصهيونية, والكتاب بعنوانالدولة اليهودية والذي يحمل كل يهودي مسئولية الالتزام بتأسيس دولة لليهود… ولكن مناهضي الصهيونية لا يؤمنون بحتمية وجود الدولة اليهودية, بل يؤمنون أنهبين النهر والبحر يجب أن تكون هناك دولة ديموقراطية تضم كلا من اليهود والفلسطينيين… لكن إن كنت مناصرا للصهيونية فقطعا لن تكون مؤيدا لهذا المنحي
0 هل إسرائيل دولة ديموقراطية؟
00 هي ليست دولة ديموقراطية, لأن الفلسطينيين في الضفة الغربية وفلسطينيي غزة ليس لهم حق الانتخاب بينما هم يعدون من مواطني
إسرائيل الكبري, لذلك لا تعد إسرائيل دولة ليبرالية لأنها لا تكفل حقوقا متساوية لجميع مواطنيها… وذلك ما يفسر وصف إسرائيل بالدولة العنصرية غير الديموقراطية… ولعل الجدير بالتسجيل أن معظم مؤيدي الصهيونية يؤمنون بدولة يهودية يقتصر مواطنوها علي اليهود, وذلك ما يفسر التأكيد علي سياسة التطهير العرقي للخلاص من الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة… علاوة علي ذلك إذا سمحت بالحوار بخصوص ما يعتقده الرأي العام الأمريكي إزاء ما ترتكبه إسرائيل في غزة, سوف تتلقي القدر الهائل من الإساءة إلي سمعة إسرائيل في الولايات المتحدة وما يلحقه من الإساءة إلي سمعة الإدارة الأمريكية والعلاقات الأمريكية الإسرائيلية وهو بالقطع ما لا يرغبون فيه.
0 ماذا تعتقد سوف يحدث إذا أقدمت آلة الحرب الإسرائيلية علي اجتياح رفح وما قد يؤدي إليه ذلك من ذبح ما يقرب من 35 ألفا من المدنيين الفلسطينيين إضافة إلي ما سبق.
00 من المؤكد أن ذلك المنحي سوف يفجر موجات من الاحتجاجات أعنف مما سبقتها, ولن يجدي معها الدفع بقوات الأمن لإسكاتها.. لقد تعلمنا هذا الدرس منذ عقود في الحرب الفيتنامية… لن يجدي سوي إقدام الإسرائيليين علي التوقف عن قتل الفلسطينيين والنظر في أمر إعطائهم حق تقرير المصير… الواضح أن توجه نظام نتنياهو لا يعد بأي شيء من هذا القبيل, ولكن المضي في قمع المتظاهرين بغية إسكات أصواتهم لن يجدي.
0هل تعد إسرائيل حليفا للولايات المتحدة الأمريكية؟
00 لا ليست كذلك بناء علي معايير كثيرة, بينما يحلو للمدافعين عن إسرائيل في الإدارة الأمريكية أن يقدموا إسرائيل باعتبارها حليفا استراتيجيا, تظل إسرائيل من منطلق المعايير الأمريكية للمثل والقيم التي أسسها الآباء المؤسسون للولايات المتحدة دولة لا ترقي إلي التأهل لتلك المعايير.. فهل مطلوب منا أن نؤيد دولة عنصرية… هل مطلوب منا أن نؤيد التطهير العرقي في غزة… هل مطوب منا للتعبير عن خصوصية علاقتنا بإسرائيل أن نسمح بمنحها دعما غير محدود وغير مشروط لسياساتها وأن نقبل التأييد غير المحدود للمؤيدين لها في مختلف مراتب الإدارة الأمريكية؟!!… هذه هي المشكلة التي يواجهها الرئيس بايدن في سعيه للفوز في انتخابات الرئاسة الأمريكية في نوفمبر القادم… فهو يعلم تمام العلم أنه إذا كان منتقدا لسياسات آلة الحرب الإسرائيلية أو إذا أقدم علي قطع المساعدات العسكرية والدعم لإسرائيل نتيجة جموحها في حرب غزة سوف تكون النتيجة الحتمية إقصاءه عن الفوز فترة رئاسية ثانية… انتقاما منه علي تجرئه بمعاقبة إسرائيل… هذه هي المعايير التي تسري هنا!!!