**عندما بدأت منذ أسابيع أحدثكم عن رحلتنا علي طريق الخير والعلاج مع الطفلة ماريان منذ أن كان عمرها خمس سنوات حتي اليوم ومازلنا معها مستمرين بمشيئة الرب إلي الغد وما بعد الغد وإلي نهاية العمر مادام في الحياة والخير بقية…هي الآن شابة تجاوزت الثلاثين, وكانت قد ولدت بعيب خلقي تسبب في قصور شديد بالقدرات المخية والحركية وتأخر في النمو البدني والذهني, وأجمع الأطباء وأساتذة المخ والأعصاب أنه لا إصلاح لما فقدته ولا عودة للقصور الذي ولدت به, ولا علاج لها إلا مجموعة من الأدوية المنشطة لخلايا المخ للوصول بها إلي الدرجة التي يمكنها معها الاعتماد علي نفسها في الحركة وتناول الطعام وقضاء حاجتها..ومن يومها ونحن علي امتداد ربع قرن نقدم لها العلاجات والرعاية التي لولاها لبقيت كما رأيناها لأول مرة يحملها والدها بين يديه ويحركها كقطعة اللحم.
**يوم بدأت حديثي معكم عنماريان وضعت له عنوان1/4 قرن…مع مريان في علاج دوائي وهو ما أثار كثيرا من التساؤلات حول عمر رسالتنا وطول رحلاتنا علي طريق الخير…حتي أنا بدأت أسترجع الذكريات وأعد السنوات التي مضت سريعة, واكتشفت أن عمل الخير لا يقاس بالأيام ولا يعرف للأرقام طريقا لأنه نابع من حب زرعه الله في قلوب البشر لتبقي الحياة جميلة في عيون الكل حتي البؤساء والمتألمين يجدون من يسندهم وينتشلهم من متاعبهم وتبقي الدنيا دائما بخير وفي خير.
**تذكرت أسماء كثيرة…وحالات أكثر…وعادت إلي عيني صور وجوه بلا عدد تبتسم للخير وترفع أياديها إلي السماء بالشكر…وجوه كانت تتمزق ألما فاصطحبناهم إلي المستشفيات, ودخلنا معهم حجرات العمليات, وانتزعنا من أجسادهم منابع الوجع…أعداد هي بالآلاف الآن صورهم محفورة في قلوبنا وقصصهم محفوظة في صفحات ورق تحكي عن عيون عاد لها الإبصار, وآذان عاد لها السمع, وقلوب عاد لها النبض وأقدام عادت تمشي وأيد عادت تتحرك.
**وسط هذا الزحام في حقل الخير حاولت أن أبحث عن البداية…لم تسعفني الذاكرة فعدت إلي صفحات وطني أبحث وسط مجلدات ضخمة تجمع أوراقا صارت بحكم الزمن صفراء لكني رأيتها في عيني بيضاء…كلماتها تنبض بالخير, وتسجل ملحمة عطاء عمرها في حساب الزمن 35عاما مع قلوب كانت تئن بالوجع فانتشلناها من الألم, وعادت إلي الحياة تسبح بالحمد لله والشكر لكل يد امتدت لها بالخير صفحاتبيضاء سمعت نداء داود النبي ورددته أغسلني فأبيض أكثر من الثلج.
**لأن رحلتنا مع الخير بعيدة طويلة بعدد السنين, فالعودة إلي البداية ستطول أيضا…لهذا سيبقي للحديثة بقية..أعدكم أن أعود إليكم الأسبوع القادم.وما بعده, فالحديث عن عمل الخير ليس له نهاية, وبالأمل سنواصل ونلتقي…إلي الأحد القادم مع البداية في طريق الخير…طريق لم نختره لأنفسنا لكن الله اختاره لنا, ووضعه أمامنا من أجل المرضي والمتألمين, وكنا أمناء في دعوة الرب.