** كان لابد أن نسمع شهود عيان كما يقال شافوا الموت بعيونهم.. ذهبت إلي المستشفي القبطي فتذكرت إيمان عوض وكيلة التمريض حول الدماء والجثث التي قالت: كانت الجثث والمصابون بكل مكان في ردهات المستشفي, فالمشهد كان مروعا وأحسست أننا وسط مجزرة أو مذبحة, من كان لديه إصابات بسيطة تحتاج إلي غرز أو تضميد ويستطيع الوقوف علي قدميه يتم عمل اللازم ويغادر حتي يترك المكان لغيره.. أما الثلاجة فكانت تتسع لثلاث جثث فقط والباقي وضع علي الأرض, وكان بعضهم ملامحها غير واضحة وبها كسور شديدة.
أب لأربعة
* كانت أول غرفة أدخلها للمصاب مريد نصيف كيريوس 48 سنة من الوراق.
أب لأربعة أبناء ليليان, جون, جاك, جوزيف.
إصابته وفق ما قاله د. وحيد صبحي استشاري الجراحة العامة والأوعية الدموية رصاصة دخلت من الجنب الأيسر واخترقت البطن وخرجت من جدار البطن الأمامي أدت إلي إصابة القولون وتم عمل عملية استكشاف للبطن وحالته مستقرة الآن, تحدث مريد قائلا:
نحن أربعة إخوة رجال, ثلاثة بمن أنا فيهم ذهبنا إلي المسيرة التحقت بالمسيرة أثناء خروجها من شبرا أسفل كوبري أكتوبر. وقبل ما نوصل ماسبيرو بشوية طلعوا مدرعتين وفضلوا يجروا ورا الناس ولقيت ضرب نار بارفع راسي شفت مجندين بيضربوا نار من فوق كوبري أكتوبر وكان ضرب الناس شغال ولكن وصلنا إلي ماسبيرو وكان ظهري للمبني وبدأت أحس بخطورة الموقف وأعدت أصرخ في الشباب ارحلوا ارحلوا. افتكرت الرصاص في الهوا ولكن لما شفت الناس بتقع مصابة ومدرعة اتقلبت بعد اصطدامها بعمود خرسانة والثانية بتجري وراهم عرفت أن الأمر مش تهويش وفجأة أصابتني الرصاصة في ظهري وكان النيل علي يميني والرصاصة جتلي من ناحية النيل حيث كانت قوات جيش كثيرا جدا وأمن مركزي وقبل الإصابة شفت واحد بيخلع جاكت وفضل بالفانلة ومعاه رشاش غطاه بقطعة قماش بيضاء جه من وسط العساكر وفضل يضرب في الناس إللي جاية في المسيرة.
حاول البعض رفعي من الأرض لأركب عربة الإسعاف التي كانت موجودة بالمكان لما ركبت لاقيت العربية مليانة جرحي فوق بعض وكان فيه ناس ميتة ومهروسة ماكانش فيه مكان للقعاد ففضلت ماسك في سقف العربية وواقف والدم نازل مني.
مسعد استشهد
وعلمت من مريد وزوجته التي حضرت قبل تركي الغرفة أن زوج أخت زوجته من ضحايا هذا اليوم واسمه مسعد مهني وكان أبا لأربعة أبناء وزوجته في حالة انهيار وكان قد أصيب بعدة أعيرة نارية أدت حسب التقرير الطبي إلي كسور مفتتة في الأضلع الصدرية اليمني واليسري, تهتك شديد في الرئتين والطحال والكليتين, كسر بالحوض وتهتك بالأنسجة الدموية الرئيسية بالخصية مما أدي إلي نزيف شديد وهبوط حاد بالدورة الدموية والتنفسية
عسكر وبلطجية
كانت الحجرة التالية لحجرة مريد فيها اثنان من المصابين أولا روماني فرج 27 سنة من شبرا.
إصابته كسر مضاعف متفتت في الكوع الأيسر نتيجة رصاصة اخترقت الكوع وخرجت من الجهة الأخري, ويقول د. أيمن يوسف جراح عظام والمتابع لحالة روماني: نحاول الآن إجراء اتصالات مع أحد الأطباء المتخصصين في جراحات اليد وعددهم قليل وهو الآن في دبي ولكن هناك بعض الزوار عرض تسفير روماني لإجراء الجراحة في ألمانيا.
ماسبيرو أولا
في نفس حجرة روماني كان جالسا في السرير المقابل المصاب رزيقي سمير 23 سنة من نجع حمادي وحسب التوصيف الطبي لإصابته الذي ذكره لنا الدكتور عماد ظريف استشاري العظام بالمستشفي القبطي:
كسر بعظمة العقب الكعب الأيمن والمشطية الخامسة بالقدم اليمني.
تهتك بعضلات وأربطة القدم اليمني نزيف ببطن القدم اليمني أدي لتجمع دموي كبير وضغط علي أوعية وأعصاب القدم اليمني وعندما حضر إلي المستشفي كانت قدمه في حالة تورم كالبالون ويصرخ صراخا شديدا, تم عمل تفريغ للتجمع الدموي لتخفيف الضغط علي أعصاب وأوعية القدم وشق لفافة باطن القدم بالكامل لتخفيف الضغط علي الأوعية الدموية والأعصاب, لا يستطيع المشي قبل ستة أسابيع, وقد يحتاج إلي تدخل جراحي آخر بعد ستة أشهر لعمل سمكرة لتثبيت أعلي العقب الأيمن.
رزيقي معه مؤهل إرشاد سياحي سنتين بعد الإعدادية ولا يعمل حتي الآن وحضر من نجع حمادي عندما سمع عن المسيرة ففكر في الانضمام إليها أولا حيث علم أنها لن تستغرق أكثر من ساعتين وكان سيذهب بعد ذلك للبحث عن عمل, وحول ما شاهده بعينيه قال:
أنا ذهبت إلي ماسبيرو مباشرة شاهدت أعدادا كبيرة من جنود الجيش وأمن مركزي وكنت أقف وظهري للمبني وكان الشارع هادئا فلم تكن المسيرة قد جاءت بعد, وبدأت المسيرة في الظهور.
سمعت أصوات رصاص وشفت رجال بالخوذ بيضربوا الناس بالعصيان السوداء وجاءت المدرعة من خلفي وكنت بجوار سيارة ملاكي ولم أدر إلا والمدعة كانت قد داست علي قدمي اليمني وكان بجواري أربعة رأيت المدرعة وقد هرستهم جميعا, وجاءت مجموعة من الأمن المركزي وبدأوا بالضرب بالعصيان علي كل من وقع علي الأرض.
وكنت أحس بآلام مبرحة ولولا أن السيارة كانت تغطي باقي جسدي لتم هرسي مثل الآخرين. ورآني شخص علمت بعد ذلك أن اسمه جمال أتي مسرعا وأوقفني وسندني وجري معي وأنا أزج برجلي الأخري واحتمينا في حوش مبني ملاصق لمبني ماسبيرو ودخل آخرون معنا وأغلقنا الباب الخارجي للمبني وأتي بعض العسكر وكسروا زجاج الباب ولكن لم يفتحوه, ظللنا في حوش المبني ما يقرب من ساعة ونصف.
ولكن سامعين صراخ وضرب نار وكان شيئا مرعبا, ثم خرجت مع جمال وأنا باجري بالرجل السليمة مستندا عليه ولكننا وجدنا الأمور لاتزال مرعبة فدخلنا إلي جراج الفندق ونحن فيه جاءت مجموعة من الأمن المركزي وقالوا طلعوا السلاح إللي معاكم ورأوا قدمي وفتشونا ولم يجدوا شيئا تركونا وخرجوا ولكن واحدا منهم رجع وقال لي أنا مسلم ولكن بانصحك ما تخرجش دلوقتي وفعلا كان معنا حوالي سبعة في الجراج بمجرد محاولة خروجهم بالنط من علي سور الجراج قتلوا علي السور وقال لي جمال أنا مش خارج من هنا مهما حصل وظللنا في المكان حتي أحسسنا أن ضرب النار قد توقف خرجت مع جمال وبالفعل كان هناك هدوء لحد ما وشاور جمال لعربة إسعاف كانت قريبة منا وأحضرتنا إلي المستشفي.
وكانت والدة رزيقي تجلس بجانبه علي طرف السرير في حزن صامت تماما سيدة صعيدية سماتها تحمل الطيبة والحكمة.
مصاب وشاهد بالصدفة
عماد عبدالحليم عبدالعزيز مصاب مسلم ولكن كيف أصيب وماذا شاهد؟.. دخلنا إلي حجرة عماد وهو المصاب الوحيد في الغرفة وكانت تجلس أخته وهي منقبة وعندما رأتني أني مثلها رفعت النقاب ووجدت وجها جميلا ملائكيا, وأيضا عماد شاب وسيم عمره 32 سنة.
وحسب التوصيف الطبي لحالته الذي ذكره الدكتور وحيد صبحي استشاري الجراحة والأوعية الدموية, أن عماد أصيب برصاصة أسفل الظهر واستقرت في الحوض, وكان مصابا عند حضوره بصدمة وتبين وجود تجمع دموي كبير بالحوض وكذلك المثانة البولية وتم عمل عملية استشكاف للبطن وإجراء العملية اللازمة لحالته وحالتة مستقرة الآن وهو تحت المتابعة.
وبسؤال دكتور وحيد عن مصير الرصاصة قال كان لا يمكن استخراجها وقت حضوره للمستشفي نظرا لوجود تجمعات دموية كبيرة بالحوض وهو حاليا يمكن أن يتعايش رغم وجود الرصاص ويمكن استخراجها مستقبلا.
وبسؤال عماد كيف تواجد في وسط أحداث ماسبيرو عندما أصيب قال: كنت أتنزه مع أصدقائي بميدان التحرير قرب الصينية وقرب الفندق رمسيس هيلتون, سمعنا ضرب النار فاتجهت نحو ماسبيرو وكنت علي رصيف الكورنيش فشاهدت جرحي كثيرين بجوار سور الكورنيش وكان البعض يسكب عليهم مياه لغسل الدماء التي غطتهم وسمعت شباب بيقولوا اجري اجري وعندما استدرت لأجري أصابني الرصاص.
حملني بعض الشباب وكان بعضهم أيضا مصابا واستقلينا عربة الإسعاف.
وتم إجراء جراحة لي في نفس اليوم ولم يعلم أهلي إلا في اليوم التالي.
وأثناء حديثي مع عماد دخلت والدته وكانت تتوضأ استعدادا للصلاة حيث كانت الساعة الثالثة والنصف عصرا. وعندما طيبت خاطرها قالت: نصيبه كده وسألتها هل جاءت زيارات لعماد مثل باقي المصابين قالت كتير حتي رجال دين مسيحي وأعطونا أظرف بها نقود.
تحية تقدير
استغرقت لقاءات المصابين والأطباء حوالي ست ساعات في المستشفي وذلك لكثرة الزيارات التي كانت تقطع حديثي مع المصابين, وكان الزائرون من جميع الجهات والفئات العمرية طلبة مدارس ومجموعات من الجامعات ومعهد العباسية لنظم المعلومات وطالبات مدرسة التمريض بالمستشفي وصيادلة المستشفي, والبعض جاء بمفرده شابات وشباب من جميع محافظات مصر, ولكن لن أنسي زيارة كان لها كل التقدير والاحترام عندما وجدت ثلاث سيدات يتسمن بالرقي الشديد في المظهر والجمال البارع دخلن حجرات المصابين الأقباط وأعطوهم أظرف وهدايا ودخلن إلي الأطباء يعرضن التبرع بدمائهن.
في البداية لم أعط الأمر أهمية واعتبرت أنها زيارة ضمن عشرات الزيارات ولكن مصادفة حديث معهن اتضح أنهن ثلاث مرشدات سياحيات ومظهرهن كان يوحي أنهن أجنبيات لاكتشف أنهن الثلاثة مسلمات سمعن وشاهدن الأحداث في الفضائيات وأتين لإبداء المساعدة بكل حب وبعيدا عن أي روح من النفاق أو المظهرية.