يقترب سباق الانتخابات الرئاسية من نهايته وتزداد وتيرة التنافس بين المرشحين السيسي وصباحي, وعند صدور هذا العدد يكون المصريون في الخارج قد أدلوا بأصواتهم ويلحق بهم المصريون في الداخل الأسبوع المقبل بإذن الله… مصر كلها- ومعها دول كثيرة في العالم- تترقب نتيجة السباق الرئاسي لتعرف لصالح من يحسم ومن الذي سيقود مسيرة العبور إلي الديمقراطية والإصلاح والحداثة في السنوات الأربع المقبلة- علي الأقل- وكيف سينجح في## تحقيق برنامجه الانتخابي وحشد المصريين للعمل الشاق المصني الذي ينتظرهم.
أتصور أن كل مصري ومصرية حسم أمره فيمن يعطيه صوته ليكون رئيسا للجمهورية, ولا أعتقد أن فحص ومقارنة برامج المرشحين أو فرز وتحليل خطط كل منهما تمثل العنصر المرجح وراء قرار الناخب, لأن الحقيقة أن هناك شبه تماثل بين السيسي وصباحي في رؤي الإصلاح سواء الأمني أو السياسي أو الاقتصادي علاوة علي سائر المجالات الأخري كالتعليم والصحة والعدالة الاجتماعية وإقالة المطحونين والمحرومين من عثرتهم.. ولا غرابة في ذلك فالأهداف والتحديات الماثلة أمامنا جميعا لم يختلف عليها المرشحان لكن بديهي ألا يتطابقا في سبل تحقيقها, وفي هذا الصدد قدم كل منهما برنامجه الذي يدغدغ مشاعر المصريين نحو غد مشرق مزدهر والذي سيكون محل تقييم وحساب ومساءلة الشعب والمعارضة السياسية خلال السنوات المقبلة.
لكن مرة أخري أقول إن هذا علي أهميته ليس العنصر المرجح لمن يستحوذ علي أصوات الناخبين, فمصر لا تزال تعاني من تبعيات رفضها حكم الإخوان وإقصائها محمد مرسي, وما تزال تدفع ضريبة الإرهاب وانتقام الإخوان من المصريين وعقابهم لهم علي النزول للشارع في 30 يونية الماضي للمطالبة برحيلهم.. وبناء عليه مصر تبحث أولا في رئيسها المنتظر عن الأمان والاطمئنان.. عن القوة والشجاعة.. عن الحكمة والصرامة.. عن القدرة علي قيادة كل المصريين وحشدهم وتوحيدهم في صف وطني واحد وصهر كل ما قد يفرقهم في وعاء المواطنة.
من ينجح في إقناع المصريين بقدرته علي إدراك ذلك سوف يحظي بأصواتهم أمام صناديق الانتخاب.. لكن حتي في هذا الإطار ستميل كفة أي من المرشحين بالنسبة للناخب تبعا لمدي توافقه مع التوقعات والقناعات والشحنة الإنفعالية والمنظومة القيمية للناخب.. وإليكم بعض الفرضيات:
من يحمل التقدير والعرفان لانحياز القوات المسلحة المصرية بقيادة السيسي للشعب المصري عقب تمرده علي حكم الإخوان ويدرك أن ما تحقق في 30 يونية بالشعب ما كان له أن يكلل بالنجاح لولا هذا الانحياز الذي جنب مصر مغبة حرب أهلية تراق فيها الدماء, سوف يميل إلي السيسي.. بينما من يري أن الشعب وحده في ثورة 30 يونية هو الذي صنع التغيير وأن إرادته لم يكن لأحد أن يقف أمامها وأنه ليس هناك فضل للعسكر في ذلك, سوف يميل إلي صباحي.
من يري أن خريطة الطريق التي تسير عليها مصر بعد 30 يونية تمثل طموحات المصريين في التغيير وتعني بتحقيقها سلطة مدنية انتقالية تعمل علي إعلاء الدستور والقانون وتسيير شئون البلاد لإقالتها من كبوتها دون تدخل العسكر أو تحكمهم في مقدرات الأمور أو صناعة القرار سوف يثق في السيسي.. بينما من يغالبه الشك والتوجس في أن المرحلة الانتقالية كان يقودها مايسترو خفي يرتدي البدلة العسكرية ويحرك الأمور علي النحو الذي يضمن سمو وحصانة العسكر ويمهد لعودتهم للسلطة سوف يثق في صباحي.
من يؤمن بأن التنافس السياسي يجب أن يرسخ احترام وقبول الآخر ويتحلي بالوقار والانضباط والترفع عن عقد المقارنات السياسية بين المرشحين خاصة إن كانت تهدف إلي الحط من شأن أحدهما لصالح الآخر, سوف يعجب بمنهج السيسي وهدوئه وتواضعه.. بينما من يؤمن بأن التنافس السياسي يجيز اللجوء إلي شتي الأدوات والسبل التي تعظم من قدر المرشح أمام منافسه وتسلط الأضواء علي آليات الفرز التي تميزه وتعطيه الصدارة علي حساب منافسه, سوف يعجب بمنهج صباحي.
من يعتقد أن مصر باتت بعد تعثر تجربة السنوات الثلاث الماضية أمام حالة تردي اقتصادية مستفحلة تستلزم تضافر جهود كل أبنائها وقطاعاتها ومؤسساتها بلا استثناء لإقالتها من كبوتها وأن ذلك يقتضي الإستعانة- بلا حساسيات- بالخبرة والقدرة التنموية والتنفيذية لقواتها المسلحة في دفع عجلة الإصلاح والإنتاج, سوف يجد في السيسي حافزا إيجابيا علي إدماج قدرات القوات المسلحة كرصيد مضاف علي قدرات باقي مؤسسات الدولة والمجتمع في مواجهة ذلك التحدي.. بينما من يعتقد أن مصر مهما استفحلت مشاكلها الاقتصادية يجب أن تتمسك بالفصل بين الجيش الذي يقتصر دوره علي تأمين البلاد والدفاع عنها ومجابهة مقتضيات أمنها القومي أمام أي خطر خارجي وبين سائر الآليات الاقتصادية الأخري, سوف يجد في صباحي الضمانة للحفاظ علي ذلك.
هذه بعض أوجه المقارنة بين المرشحين السيسي وصباحي أسوقها دون أن أبغي ترجيح كفة أحدهما علي الآخر, إنما لأدلل علي أن الترجيح يعود إلي أنماط التفكير المتباينة والقناعات المختلفة لدي الناخبين.. وأيا كان من سيفوز في السباق الرئاسي أرجو أن يحتشد المصريون بأغلبية مشرفة أمام صناديق الانتخاب وبمظهر حضاري رائع مثلما فعلوا أثناء الاستفتاء علي الدستور, كما أتطلع لأن يعمل الرئيس المقبل علي لم شمل شعبه وتوحيده خلف قيادته وأن تكون هذه الدورة للانتخابات الرئاسية باكورة دورات تالية تنقل مصر وشعبها إلي النضج الديمقراطي والعمل الوطني وتداول السلطة سلميا.. الأمر الذي افتقدته مصر منذ منتصف القرن الماضي.