ببشرة باهتة ورأس حليق, ونفس متلهفة, دخل أبو جرجس علينا بلا استئذان, قال:لم أقرع الباب لأنه كان مفتوحا, فاعتبرتها إشارة من الله, رحبنا به, وانتظرنا أن يتحدث,لكنه ظل صامتا مترددا. بادرت بالحديث لأكسر حاجز الصمت, قلت له:أهلا بيك, ممكن تعرفنا بنفسك, علشان تهدا ونعرف نتكلم.
أجاب مرتبكا: أنا واحد غلبان, غلبان جدا, ومش طمعان في أي حاجة, مش طمعان حتي في إني أخلص من غلبي لكن موجوع بسبب أولادي, العيد دخل ومعنديش فلوس الأكل واللبس نفسي أفرحهم, العيال بتبص علي الناس, وأنا شغال أرزقي, يوم فيه ويوم مافيش, يوم ناكل ويوم نستني حد يبعت ويحن علينا ببواقي أكله, يوم فرحانين ويوم محرومين, لكن في كل يوم راضيين, بس مكنتش عايز العيد يجي وأنا مستني الحظ, علشان كده جيت بالعيال وأم العيال منتظرين برة, تشوفونا علي الطبيعة وتساعدونا نعيد فرحانين.
في يقين غير مهتز قلت له:صاحب العيد يتمجد ويديك فرحة وسلام, مش إحنا اللي بندي هو اللي بيدينا كلنا وفي زيك كتير معانا, وكلهم محتاجين مع حلول العيد مساعدات ثم أكدت عليه الحضور بعد يوم25ديسمبر, قائلة: أعدك قبل حلول رأس السنة الميلادية, ستكون يد الله قد امتدت إلينا بالكفاية.
كانت أم جرجس تستمتع إلي حديثنا بالخارج, صرخت بالدعاء:آمين, إحنا واثقين في صاحب القوات, يشغل يمينه يعمل معجزات, ويشبعنا زي ما شبع الجموع بالسمكتين والخمس خبزات.
احتلت ابتسامة الطمأنينة وجهي, دون إرادة مني وأدركت أن اليقين ليس حكرا علي أحد, بل إنه عكاز الغلابة والفقراء يستندون إليه بقوة فيتمكنون من العيش وتتوازن حياتهم.
غادر أبو جرجس ليعد الأيام حتي يصل إلي يوم25 ديسمبر, ويحصل علي مراده غادر بجسده, لكنه لم يترك ذهني لحظة واحدة, أبو جرجس وكل من يشبهه في الحال والظرف طالعت كشوف الحالات فهرستها جدولتها وجدت عشرات الآباء والأمهات لهم نفس الظروف قبل حلول كل عيد وكل مناسبة ودخول المدارس.
اقتربت من الرقم الذي يحتاجه بابافتح قلبك في كل مرة لسداد حاجة أولئك الذين يتكئون علينا حينما تعرج بهم الأقدار وتحيد عن الكفاف.
يبلغ إجمالي الإنفاق في الأعياد حوالي مائة وعشرة آلاف جنيه يتم إنفاقها خلال خمسة عشر يوما تسبق ليلة العيد. ذلك بخلاف حالات الطوارئ وجهاز العرائس, فغالبا تتزامن مناسبات الزفاف مع حلول الأعياد.
كنت أعلم أن الرقم ضخم, وربما يكون من العسير جمعه قبل حلول العيد لكن يقين الغلابة, الذي غلب كل يقين رأيته أيقظ بداخلي تحديا وثقة ويقينا بأن الله لن يتركهم, فهو القادر أن يفعل كل شيء أكثر مما نطلب أو نفتكر وما نحن إلا وسطاء, سعاة بريد نحمل البركة التي يحملنا هو إياها حيث يريد أن يمنحها, البركة تختار موضعها والله حافظ البركة.
ثم قررنا دخول التحدي لجمع المبلغ من يوم 1ديسمبر أرسلنا رسائل متتالية للذين يتابعوننا تحت عنوان تحدي الثقة واليقين طالبين منهم أن يكونوا وسطاء السعادة ويد الله التي تحنو علي إخوته الأصاغر والأرامل والأيتام جمعنا 98ألف جنيه قبل يوم3يناير, ووزعناها بأكملها علي الأسر المحتاجة, ثم تلقينا عشرة آلاف أخري, ذهبت للمحتاجين أيضا.
واجتزنا التحدي مستندين إلي محبة عملاقة أنتم مصدرها, وها نحن نكرر التحدي لنتمكن من مساعدة العرائس المقبلات علي الزواج خلال شهري يناير وفبراير, ليدخل الفرح إلي قلوبهن في ليلة العمر التي تنتظرها كل عروس.