الخوف إحساس مشروع, لا تحاسبونا علي مخاوفنا, لا تنعتونا بأننا أغبياء يائسون, فقط نحن خائفون, كان هذا أول شعور أصابني حينما علمت بخبر التعويم قبل أيام, ووجدت الجنيه قافزا في بحر التسعير العادل, غاب عني كل ما تعلمته في كتب الاقتصاد للحظات. ثم اختلطت طمأنينة الفهم النظري بالخوف من التطبيق العملي. وارتفاع الأسعار, بالرغم من تصريحات حسن عبدالله محافظ البنك المركزي عقب التعويم, الذي أعلن أن تحديد أسعار السلع قبل التعويم كان بناء علي سعر الدولار في السوق الموازية. وبما أن التعويم يقضي علي السوق الموازية فلن يكون هناك ارتفاع في أسعار السلع.
تصريحات محافظ البنك المركزي مطمئنة, نعم علمونا في كتب الاقتصاد, أن أسعار الصرف المعومة تصحح الاختلالات في الميزان التجاري, وتدريجيا تتم استعادة التوازن وامتصاص الصدمات الاقتصادية, لكن المواطن يريد أن يري نتائج سريعة للتعويم الذي حدث قبل أيام, فرفقا بالناس إذا ساورها الشك في موجة غلاء جديدة, إنه الخوف العادل, الخوف من المستقبل في ظل الغلاء ومحدودية الدخول.
وهنا نحاول طرح أسئلة المواطن البسيط لتبصير كل من تقع عيناه علي هذه السطور من المسئولين, ليبذل جهدا مضاعفا حتي تصل الرسالة أوضح للمواطن الذي يخشي موجة جديدة من الغلاء, لأنه علي المعنيين بالأمر توضيح كيف سينسحب قرار التعويم بالإيجاب علي أسعار الطعام مثلا, وبالطبع توضيح الوقت الذي تستغرقه السوق حتي يشعر المواطن بالأثر الإيجابي للتعويم أو كما يقولون التسعير العادل للجنيه. مطلوب إجابات بسيطة بعيدة عن تعقيدات المصطلحات المتخصصة.
لذلك إلي خبراء الاقتصاد الذين يظهرون كل يوم علي الشاشات, رفقا بالبسطاء الذين لا حيلة لهم في دهاليز الاقتصاد, ويريدون فقط الاطمئنان علي حاضرهم اليومي.
المواطن البسيط أسئلته بسيطة, من عينة: هل سيكفيه الراتب الشهري, هل سيستطيع إطعام بنيه, وإلي أي مدي يمكنه الوثوق في نتيجة التسعير العادل دون أن تقفز في وجهه موجة غلاء جديدة, أسئلة ومخاوف مشروعة تحتاج إجابات بلغة بسيطة يفهمها غير المتخصص, توضح كيف تنسحب نتائج التعويم, أوبالتسعير العادل للجنيه علي ممارسات الحياة اليومية, من شراء وبيع وتوفير متطلبات المأكل والمشرب.
والتسعير العادل للجنيه, هو اتخاذ حزمة من الإجراءات تضمن وضع سعر صرف مرن للجنيه وتركه لقوي العرض والطلب, وهو الضمانة الوحيدة للقضاء علي تراكم الطلب علي النقد الأجنبي, لأن زيادة الطلب علي الدولار في الفترة الأخيرة لم تكن بسبب ما يلزم الاستيراد أو ما شابه ذلك, ولكن لتكالب الناس علي شراء الدولار باعتباره مخزنا للقيمة بسبب تراجع قيمة الجنيه أمامه, فاتسعت الفجوة بين سعر صرف في السوق الرسمية ونظيره في السوق الموازية.
التسعير العادل يمكنه أن يقضي علي تلك الفجوة, ولكن لابد من إجراءات أخري لضبط جشع التجار, فإن لم يصاحب التسعير العادل للجنيه, تسعيرا عادلا للسلع والخدمات الأساسية, ويتم وضعها تحت رقابة صارمة, ستظل مخاوف المواطنين قائمة من موجة جديدة للتضخم.
فحينما ارتفع سعر البصل إلي 25 جنيها للكيلو, حينها قررت الحكومة إيقاف تصديره لخفض السعر, لم يتورع التجار بعد قرار الحكومة عن رفع السعر إلي 30 جنيها للكيلو, فالأزمة ليست فقط اقتصادية وإنما ضميرية أيضا.
هذا فيما يخص السلع لكن فيما يخص الخدمات, فجميعنا نعلم أن التعويم يسبب زيادة في سعر الوقود, وبالتالي في كل السلع والخدمات التي تعتمد علي النقل والتوزيع, لذلك علي خبراء الاقتصاد البحث عن شرح مبسط للمعلومات لطمأنة البسطاء, فماذا سنقول لهم عن فاتورة الكهرباء المنتظرة مثلا, بعد ارتفاع أسعار المحروقات, كيف سنشرح لأرباب القطاع العام أن برامج الحماية الاجتماعية لمواجهة التضخم ستشملهم, وكيف يمكن تقديم مقترحات لتشمل هذه البرامج أرباب القطاع الخاص؟ هذه هي مخاوفهم العادلة فتعاملوا معها.