الإدارة الأمريكية تدفن رأسها في الرمال, والرئيس الأمريكي جو بايدن, يخشي أن تلقي الحرب في غزة بظلالها علي نتائج الانتخابات الأمريكية القادمة, فموجة الغضب والرفض الشعبوي الأمريكي تجتاح كل الولايات المتحدة, تعبث برصيد بايدن لدي الناخبين الأمريكان, وتطرح تساؤلات لا تجد إجابات حول الصمت الأمريكي علي المجازر التي ترتكبها إسرائيل, بل والخرس الأمريكي إزاء توصيف إبادة المدنيين بجريمة حرب, وإبادة جماعية, في وضع مخل بالقوانين الدولية, لا يفسره إلا محاولات أمريكا المتكررة لشرعنة سفك الدماء علي يد القاتل المحتل.
وتمضي أمريكا في إصرارها علي عدم الاعتراف بالانتهاكات الإسرائيلية في غزة؟ حتي بعد قرارات محكمة العدل الدولية التي أوصت بتدابير حماية للشعب الفلسطيني في غزة, فلماذا لا تعترف أمريكا بالسلوك الإجرامي للاحتلال الإسرائيلي؟ يبدو أنه إذا اعترفت أمريكا بارتكاب الاحتلال انتهاكات للقانون الدولي, يترتب عليه خسائر فادحة, أولها أن الإدانة العلنية من قبل إدارة بايدن للسلوك الإسرائيلي, حتما ستؤدي إلي مسائلة دولية, حول استمرار الدعم العسكري بالرغم من خرق إسرائيل للقانون الدولي, علي مدار ما يقرب من خمسة شهور, وبالتالي تكون أمريكا متهمة بالتواطؤ مع إسرائيل في المجازر المرتكبة في حق الشعب الفلسطيني, وسيتجه عملاق الغضب العالمي إلي قلب أمريكا.
أيضا ستضطر أمريكا لتغيير شروط المساعدات العسكرية المستقبلية لإسرائيل, وهو ما ينبئ بأن المساعدات العسكرية الأمريكية للاحتلال الإسرائيلي باتت في خطر, وبالتالي ستتأثر العلاقات القوية بين الطرفين, والتي لا تشمل فقط الدعم والتدريبات العسكرية, وإنما يمتد تأثيرها إلي اللوبي اليهودي في أمريكا مجموعة من الأفراد والمؤسسات التي تعمل بنشاط علي توجيه السياسة الخارجية الأمريكية بما يحقق مصالح إسرائيل, ويمتلك ذلك اللوبي, نفوذا ماليا ضخما, ووسائل ضغط إعلامي نافذة, فما تنفقه جماعات الضغط اليهودية مثل لجنة الشئون العامة الأمريكية- الإسرائيلية أيباك AIPAC, ومؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الأمريكية الكبري وغيرها علي الحملات الانتخابيةالتشريعية والرئاسية, يصل لمئات الملايين من الدولارات, وهو ما يعيد بايدن للمأزق الذي يختنق فيه حاليا, ما بين تراجع شعبيته في الشارع الأمريكي بسبب دعمه لإسرائيل, وخوفه من فقدان دعم اللوبي اليهودي, وبين هذه وتلك تطول المماطلة, ويستمر السلاح الأمريكي في سفك الدماء علي أرض غزة, التي تفقد كل يوم المئات من بنيها, والبقية الباقية منهم علي طريق التهجير عراة حفاة وسط برد الرعب علي وجوههم هائمين.
هذا ليس كل شيء, فموقف صقور الليبراليون في الكونجرس الأمريكي يلعب دورا بارزا في استمرار المجازر ضد أهل غزة, فصقور الليبراليون الذين طالما نادوا بمبادئ حقوق الإنسان, يجتهدون اليوم في تشبيه حرب إسرائيل علي غزة دفاع أوكرانيا عن نفسها ضد الغزو الروسي, في ازدواجية فجة للمعايير, وكأن إسرائيل ضحيةحماس! إنهم لا يستطيعون مواجهة أنفسهم بالحقيقة المرة, وهي أنهم رسبوا في اختبار حقوق الإنسان, وفي كل مرة أوكلوا لجيشهم الحرب في العراق, أفغانستان, ليبيا, تحت ذريعة حماية حقوق الإنسان والحريات, وإنهاء معاناة الناس, جلبوا الدمار والفوضي, واليوم تجبرهم نفس الازدواجية التي يحيونها تجاه الشعارات الجوفاء, علي التواطؤ مع سفك الدماء, بل ومباركتها بضمير مستريح, وبينما يسعي الإسرائيليون لتحقيق الحلم الأزلي في الوطن اليهودي, تستمر شرعنة سفك الدماء والخراب والاقتتال بتأييد مطلق من أمريكا.