بعد أن حولوها إلي جحيم فوق الأرض, الآن يصفون أهلها بـالوحوش التي نمت في غزة, ويحاولون إبادتهم بكل الطرق, ليس فقط بالقصف, وأنما بالتجويع وقطع الماء والدواء والغذاء, وإن استطاعت إسرائيل منع الهواء أيضا لن تتورع في ذلك, هذا هو رد الفعل الإسرائيلي السريع علي قرارات محكمة العدل الدولية التي فرضت علي الاحتلال تدابير تمكن أهل غزة من الحياة. فسارعت إسرائيل في رد فعل انتقامي بتنفيذ مخططها القديم بتصفية أونروا وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين, متهمة إياها بأنها ذراع حماس, في لغة لا يخطئها سوي المنحازين للروح الانتقامية, ظهرت النية الصهيونية للإبادة الجماعية. معززة بالدعم الفولازي من الدول التي علقت تمويلها لغوث الضحايا, قاذفة في وجوههم برسالة لا لبس فيها بأنها تتجاهل بقسوة احتياجاتهم الأساسية. وتتواطأ مع من يصفهم بـالوحوش التي نمت في غزة, في تناقض فج مع المناداة بحقوق الإنسان, والتي طالما صدعت تلك الدول رؤوسنا بها.
نية قطع مقومات الحياة عن أهل غزة, وبالتالي نية الإبادة الجماعية, تقفز بين تصريحات المسئولين في حكومة الاحتلال, ليس فقط باتهام 12 عنصرا من أونروا بالضلوع في عملية طوفان الأقصي وهجمات حماس في أكتوبر الماضي, ولكن بتصريحاتهم حول أن المتهمين هم التفاحة الفاسدة التي لا تمثل المشكلة معتبرين الوكالة ذاتها غطاء لـحماس.
وهكذا تعاقب إسرائيل أونروا ليس من أجل حفنة موظفين متورطين في العنف, وأنما لأنها تديم قضية اللاجئين, والاحتلال يريد التخلص من الوكالة لأنها الأقدر علي مساعدتهم, وتسمح للفلسطينيين بالعيش والإنجاب. في أراضيهم أو خارجها, دون سحب صفة لاجئ منهم أو من أولادهم وأحفادهم, وبالتالي يتزايد عدد الملايين الذين لهم الحق في العودة إلي وطنهم فلسطين, ويفاقم الصراع الإسرائيلي الفلسطيني الذي ظل قرنا من الزمان يدور حول أمرين أساسيين: الأرض والشعب. وإسرائيل تريد إزاحة الفلسطينيين بشكل كامل, سواء بالممارسات الاستيطانية الأرض أو الي الحدود المجاورة دون الاعتراف بحق العودة مرة أخري لأراضيهم, ومنع عودة من تم تهجيرهم الشعب علي مدار عقود إلي دول أخري- وتدعمهم أونروا بالتعليم والعيش في تلك الدول- بوصفهم لاجئين.
وهكذا يقف خلف تفكيك الوكالة وتخريب قضية اللاجئين الفلسطينيين, فرضية خاطئة قاتلة, مفادها أن اللاجئين الفلسطينيين يستمدون وضعهم كلاجئين من أونروا, وإسرائيل تخشي مطالبة اللاجئين الفلسطينيين بالعودة الكاملة إلي فلسطين التي تمثل تهديدا ديموجرافيا التركيبة السكانية للأغلبية اليهودية في إسرائيل, ولذا تدفع باتجاه دمج اللاجئين في أماكن إقامتهم, وبالأخص في دول الجوار, ودمجها في المفوضية السامية للاجئين والتي يتركز عملها علي نقل اللاجئين إلي دولة ثالثة بما يتيح لهم الحصول علي حق الإقامة الدائمة والتجنس, وهو ما سيقود إلي سحب صفة اللاجئ من اللاجئين الفلسطينيين في حال تجنسهم بجنسية دول أخري. وهو ما يوضح بشكل جلي موقف مصر بالرفض إزاء الدعوة لتهجيرهم إلي سيناء, والتي تعتبر بمثابة تصفية للقضية الفلسطينية.
إن تفكيك أونروا أو دمجها في المفوضية السامية للاجئين ليس إلا إمعانا في تطويل أمد الحرب وشرعنة سفك الدماء, تمهيدا للدفع باتجاه مفاوضات غير متوازنة تضغط علي الفلسطينيين عبر وضعهم بين خياري القتل والتهجير – أو القبول بدولة مشوهة مجردة من السلاح والسيادة, تتنازل عن حق العودة لتفقد أحد أبرز مقومات القوة الديموجرافيةالتركيبة السكانية في فلسطين.
حقا إنها الوحوش التي نمت في غزة, وعليهم أن يهابوها, ليس لأنهم جميعا إرهابيون مثلما تتهمهم إسرائيل, ولكن لأنهم يعيشون تحت القصف وبين الأنقاض ووسط الجوع والخراب, ويأبون التفريط في الأرض, في ظروف يتعذر علي الإنسان الطبيعي العيش فيها, إنها الوحوش التي تسكن العراء ببطون خاوية وإياد منزوعة السلاح, حتي لو كانت أطراف أخري تتولي ذلك عنهم. إنها الوحوش التي تم تجريدها من من الحق في الأرض والأمان, وانتزاع أطفالها والإلقاء بهم في مقابر جماعية, بحجة القضاء علي حماس التي في وصفهم هي الشيطان الأعظم لأنها قتلت 1200 إسرائيلي, بينما قتلت قواتهم 30 ألف فلسطيني معظمهم من الأطفال والنساء.. فبالله عليكم من أنتم ؟