في شمال غزة يموت الناس جوعا, وفي الجنوب يفرون هربا من الموت المحقق برصاص قوات الاحتلال, يدفعهم القصف والتوغل البري للجيش الإسرائيلي بين المدنيين, إلي الفرار نحو الحدود, ورفح الفلسطينية آخر نقطة آمنة في غزة, وهي أيضا نقطة الدخول والتوزيع الرئيسية للمساعدات الإنسانية. لأكثر من 1.5 مليون نازح في رفح, إنهم يواجهون الموت دون الحصول علي الغذاء والرعاية الطبية والمأوي الآمن, الناس علي الحدود تأويهم الخيام, وفي أراض فارغة يحطون, علي الشاطئ وعلي الشريط الرملي من الأراضي المجاورة للجدار الحدودي مع مصر, حتي أن مجلس اللاجئين النرويجي أطلق علي المكان اسم مخيم اللاجئين العملاق, غزة صارت سجنا مغلقا يرعي فيه الخوف والمرض والحرمان, الكل تحت الحصار, والعالم يكتم أنفاسه خشية وقوع كارثة إنسانية وإبادة عشرات الآلاف عند الحدود, فالجحيم يلوح في الأفق, والكل هناك يسأل أين نذهب؟ أين يمكننا الاختباء؟
ولماذا يمضي نتنياهو في صلفه, ضاربا عرض الحائط بكل القوانين الدولية, والوساطات العالمية, لماذا يتعدي علي سيادة دول الجوار مصر والأردن؟ لأنه ينتهز فرصة الحرب علي غزة, وملف الأسري الذي يحصد تعاطفا دوليا, لتحقيق حلم الوطن البديل بإزاحة أهل غزة إلي سيناء, وأهل الضفة الغربية للأردن, بحجة القضاء علي حماس, واحتلال الأرض من جديد, وهو ما يتضح من الخرائط التي نشرتها مجموعة من اليمين المتطرف في إسرائيل, تتخيل بلدات ذات أغلبية يهودية تنتشر في المنطقة. كما قام مشرعون إسرائيليون من اليمين المتطرف بصياغة خطط لجعل مثل هذه المستوطنات قانونية. بالطبع يحدث ذلك بعد تنفيذ التهجير والسيطرة علي محور فيلادلفيا – الممر الضيق بين مصر وغزة, ويقع تحت السيطرة المصرية.
العالم كله يحذر نتنياهو, من حماقة اجتياح رفح, التي ستؤدي حتما إلي مذبحة, ستكون بمثابة شرارة مدمرة في صندوق بارود الشرق الأوسط المتقلب بالفعل, نعم إنه الجحيم الذي يلوح في الأفق ويهدد المنطقة بأكملها, فهل تتصور إسرائيل أن العالم سيقف متفرجا حتي تشعل النار في سلام الشرق الأوسط؟ وما الذي تتوقعه من جيرانها المقربين مصر والأردن, بعد أن أعلنا بوضوح وحسم رفضهما لخطة التهجير القسري التي تمضي فيها إسرائيل؟ وحذرا من التعدي علي سيادتهما, ماذا يتوقع نتنياهو حينما يخرق اتفاقيات السلام التي دامت أربعين عاما؟ ماذا يتوقع حينما يتعد علي السيادة المصرية, التي يعلم جيدا قوتها, وجاهزيتها لكل السيناريوهات, فاجتياح رفح هو تعدي علي سيادة الأراضي المصرية بموجب نصوص الاتفاقية لأنها منطقة منزوعة السلاح.
إن المطامع الإسرائيلية التي تجاوزت كل القيم الإنسانية والقوانين الدولية, والإطاحة بقواعد حفظ حقوق الإنسان, وطرد وفود الأمم المتحدة المعنيين بحقوق الإنسان, واتهامهم بمعاداة السامية, قتل وتشريد عشرات الآلاف, من أجل إقامة دولة يهودية, تحت غطاء ديني, جميعها صارت أسبابا لاستعداء أطياف عالمية كثيرة, ومجعاة لتراجع التعاطف, إذ تراجع التأييد الغربي لإسرائيل, أما الحليفة المخلصة أمريكا التي ما زالت لا تعلن بوضوح تأييدها لوقف إطلاق النار, بل ترسل رسائل خجولة عن وجوب حماية المدنيين, فلن تستمر الحليفة الداعمة أمام جهنم التي ستتقد إذا تم الاجتياح الوشيك علي رفح. وستتبدل موازين القوي السياسية والعسكرية في المنطقة, خاصة وأن المشهد الإقليمي قد ازداد تأزما بعدما تعهدت الجماعات المسلحة المدعومة من إيران في العراق وسوريا واليمن, بمواصلة مهاجمة المواقع الأمريكية في المنطقة وطرق الشحن العالمية في البحر الأحمر ما لم يكن هناك وقف لإطلاق النار. وهو ما ينبئ بأن الضغوط العالمية والمصالح الدولية, ستقول كلمتها قبل اندلاع الشرارة في أرض الجحيم المنتظر.