من ذلك الذي يقتل ميتا؟ من ذلك الذي يقتل من مات عن العالم وارتدي السواد وسخر جسده وذاته لخدمة الله؟ من ذلك الذي يذهب إلي البراري ليستهدف رهبانا ويطعنهم بمنتهي الوحشية ثم يفر- فلا توجد أديرة وسط الأحياء السكنية, لأن الأصل في الرهبنة هو العزلة عن العالم- من ذلك الذي يستطيع طعن ثلاثة دفعة واحدة, ليفارقوا الحياة ويفر الرابع هربا, من هو؟ أوبالأحري من هم؟ هل هم لصوص محترفون أم تنظيم إرهابي, أم عصابات منظمة؟
لا أحد يعلم حتي لحظات كتابة هذه السطور, بشكل يقيني من هم قتلة الرهبان الثلاثة المصريين الأرثوذكس, في دير القديس مرقس الرسول والقديس صموئيل المعترف, في مدينة كولينان علي بعد 50كيلومترا شرق العاصمة بريتوريا. بجنوب أفريقيا.والأحزان تلف الكنيسة, والخارجية المصرية تتابع باهتمام, فالرهبان مواطنون مصريون قتلوا طعنا علي أرض غير مصرية.
الشرطة هناك أكدت أنه لا توجد جريمة سرقة في الأفق, لم يكن الدير منهوبا ولا مخروبا, والجهات المختصة قالت إن الدافع وراء القتل غير واضح! ووفقا لرواية الشرطة أن الرهبان الثلاثة, الراهب القمص تقلا الصموئيلي, ويسطس آفا مرقس, ومينا آفا مرقس. قتلوا بالطعن إنه جنون السكاكين الذي نجا منه رفيق رابع لهم, بعد أن ضربه القاتل بقضيب فوق رأسه لكنه تمكن من الفرار, ولا ذكر لأقوال الراهب الفار ضمن الأخبار القادمة إلينا من جنوب أفريقيا.
الوضع غامض جدا, وما يزيده غموضا هو الالتباس الشديد بين تاريخ المخاطر التي حاقت بالدير ووقوع الجريمة بالتزامن مع تنامي النشاط الداعشي في جنوب أفريقيا, ففي لقاء سابق للأنبا تكلا آفا ماركوس وكيل إيبارشية جنوب أفريقيا, مع فضائيةمي سات- وهو من الشهداء الذين قتلوا في الحادث- تحدث عن صعوبة الحياة في الدير بجنوب أفريقيا وكشف عن المخاطر التي يتعرضون لها جراء هجمات اللصوص الأفارقة, كما روي أنبا تكلا قصة أحد عمال الدير الذي تآمر علي الدير, وخطط مع عصابة من اللصوص هجمة علي الدير لسرقة معدات ومقتنيات كثيرة.
بالرغم من ذلك استبعدت السطو للسرقة, وقالت إن الدافع للجريمة غير واضح.
جنوب أفريقيا دولة ذات أغلبية مسيحية يبلغ عدد سكانها 62 مليون نسمة, إلا أن السنوات الأخيرة شهدت نشاطا متزايدا لتنظيم داعش الإرهابي فيها, حتي أن السفارة الأمريكية في جنوب أفريقيا حذرت منذ عام ونصف العام, رعاياها من أعمال إرهابية محتملة. وقالت إن الحكومة الأمريكية تلقت معلومات بأن إرهابيين يقدمون علي أعمال إرهابية في جوهانسبرج.
لم يمر علي التحذيرات شهور حتي تم الكشف عن إنشاءداعش شبكات دعم مالي تستخدم في الدعم اللوجيستي والتقني والعملياتي ومنذ ثمانية أشهر تم الكشف عن أكبر عملية تحويل أموال بلغت342 مليون دولار من جنوب أفريقيا إلي كينيا والصومال ونيجيريا وبنجلادش وهذه الدول معقل داعش الجديد بعد خروجه من العراق, وتستخدم هذه الأموال في تمويل أنشطة داعش الإرهابية ذلك بالرغم من أن الولايات المتحدة أبرمت شراكة مع جنوب أفريقيا ضمن التحالف الدولي لهزيمة داعش بغية منع التنظيم من استغلال اقتصاد البلاد لجمع الأموال.
خلاصة الأمر أنه حتي الآن دوافع الجريمة غير معلنة وهناك عدة احتمالات لها. لايمكن التفتيش عن موقع تلك الجريمة البشعة بين جرائم اللصوصية والسطو وهجمات الأفارقة والاعتداء بمختلف أنواعها بمعزل عن تنامي النشاط الداعشي فكل السكك الملتوية تؤدي إلي ذات المصير الأسود وطرق الإجرام متصلة ببعضها البعض مهما بدت منفصلة.