ها هي أوروبا تتجرع نفس الكأس التي تجرعناها عقودا, وحذرنا الجميع, وها هو العالم ينتفض رعبا من تكرار العمليات الإرهابية كالسيف الجامح في أركان الأرض تحت مسميات تنظيمية مختلفة, مرة القاعدة ومرة داعش, وغيرها من التنظيمات المحلية التي قدمت البيعة لهذين التنظيمين, أو انشقت عنهما, ومرات عديدة عبر عمليات فردية تقوم بها الذئاب المنفردة, التي تعمل خارج التنظيم, لكنها تتبني الفكرذاته, تلك الحالة التي اجتاحت أوروبا في الفترة الأخيرة, تتعلق تعلقا مباشرا, بتسلل التمويل الخبيث لكيانات خيرية المنشأ, إرهابية الغرض, فلا يوجد تنظيم أو فرد يتدرب علي أعمال قتالية دون توفر الأموال اللازمة التي تتحول إلي سيوف وخناجر ورصاص يزهق أرواح الأبرياء, والتي لا يمكن ضخها لدول الغرب إلا عن طريق سبل مشروعة ومن خلال دول تقدم نفسها باعتبارها صديقة للغرب, وللأسف لعبت قطر هذا الدور الخبيث.
ورغم التحذيرات المتتالية التي أطلقتها مصر من موجات إرهاب عاتية قد تجتاح العالم, لم يلتفت أحد, وبعد عام 2013 الذي شهد تحالف الإخوان مع عدد من تنظيمات الإرهاب وممارسة قطاع منهم للإرهاب مباشرة, ويدعم من قطر وتركيا, حذر الرئيس السيسي مرارا, من انتشار الإرهاب خارج الشرق الأوسط, وعند زيارته لبرلين عام 2018, جدد تحذيره من نتائج استمرار الصمت الدولي علي تفشي الإرهاب, إلا أن قادة العالم سدوا آذانهم, وكانت النتيجة ذاتها, فما فعلته جماعة الإخوان في مصر وبعض الدول العربية ـ تنظيميا ـ منذ ما يقارب القرن, كانت تفعله في دول أوروبا, وتوسعت فيه بعد إزاحتها عن الحكم في مصر, وحينما نقول تنظيميا فالحديث يكون عن طريقة العمل وسبل الانتشار, ومحاولات شرعنة الوجود عبر كيانات أهلية مرخصة, وهو ما نفذته الجماعة وحلفاؤها في ظل حرية تكوين هذه الكيانات في الخارج, فيأتي نشاطها المتعلق بالتمويل وتحويل الأموال تحت دعوي خدمة الأعمال الخيرية.
ما أعرضه هنا ليس من عندياتي ولكنه موثق من جهات دولية إذ أن الغرب انتبه ـ متأخرا ـ لما يجري, بعدما اكتوي بنار التطرف, فأصدر البرلمان النمساوي الوثيقة الأولي له في 6 فبراير 2015, يؤكد فيها أن جماعة الإخوان ثبتت أقدامها في المجتمعات الأوروبية, ومن بينها النمسا, خلال العقود الماضية, وتملك شبكة واسعة من المؤسسات والوكالات التي تثير أنشطتها الريبة, وأن موجة الإرهاب التي اجتاحت العالم مؤخرانتاج ثقافة متجذرة للجماعات المتطرفة ومنها الإخوان, التي تعد أبرز مؤسساتها في النمسا رابطة الثقافة الإسلامية, والمعهد الإسلامي, ومنظمة شباب النمسا الإسلامي, وجميعها مؤسسات قاومت بشدة أي محاولات لتعديل قانون التمويل, وجميعها تتلقي تمويلا من قطر ومؤسسة أنس شفيق.
ومن النمسا للدانمرك كان الأمر فجا, إذ وضعت يدها علي مركز حمد بن خليفة الحضاري الذي يضم المسجد الكبير ومركزا ثقافيا في العاصمة كوبنهاجن.
لم تقف الوثائق الصادرة عن جهات متعددة في الغرب عند هذا الحد, بل أن المركز الأوروبي لمكافحة الإرهاب والاستخبارات نشر دراسة موثقة ـ تكشف دور الدوحة في دعم الإرهاب واختراق أوروبا, وجاء في الدراسة تحت عنوان مدير استخبارات سابق يحذر من تمويل قطر لمساجد المتطرفين, أنها مولت منابر المتطرفين في مالمو في السويد, وفلورنسا في إيطاليا, وإسبانيا وفرنسا وألمانيا.
هذا بالاضافة إلي ما جاء عن مجلس اللوردات البريطاني عن الدعم القطري غير المحدود للإخوان والذي وصل لأكثر من 125 مليون يورو في جميع أنحاء أوروبا, وهذا يعني أنه علي الحكومات الغربية أن تراجع أيضا علاقاتها بالدوحة هذا بخلاف نشاط جمعية قطر الخيرية المدرجة ضمن قوائم الإرهاب في عدة دول عربية, وبالرغم من ذلك متروكة للعمل في أوروبا وهو ما يثير القلق علي استقرار الديمقراطيات الأوروبية.
ذلك الدور الإرهابي الذي تلعبه قطر لا يقتصر علي تمويلها لجماعة الإخوان فقط, بل يمتد لما هو مربك, إنها تمول حزب الله, وافتضح الأمر بعد ما نشرته مجلة فوكس نيوز الأمريكية عن تقديم عبدالرحمن بن محمد الخليفي, سفير قطر لدي بلجيكا وحلف شمال الأطلسي, 750 ألف يورو لجيسون جي ـ مقاول أمريكي ـ بهدف إخفاء دور النظام القطري في إمداد حزب الله بالأموال والأسلحة, والفارق الإيديولوجي والعقائدي بين الإخوان وحزب الله كبير جدا, فحزب الله شيعة والإخوان سنة, وهو ما يدفعنا للبحث عن الرابط والهدف من التمويل, فما الهدف من تأجيج الصراع الطائفي في العالم؟ ما الغرض من تمويل ميليشيات مسلحة من مشارب مختلفة؟.
إن الدور الذي تلعبه الدوحة في النظام الدولي خطير ومفسد, ويهدد سلام العالم وتطوره, لكن ما يدعو للدهشة هو عدم اتخاذ موقف دولي حازم إزاء ما ثبت من تورط قطر المتكرر في تمويل الإرهاب, عبر إنشاء منابر خيرية ودينية لأغراض ظاهرها العبادة ـ وهو عمل يتسم بالحرية المطلقة في أوروبا, ومحمي بقوة القانون والدستور ـ بينما تقف أغراض سياسية وتطرفية خلف ذلك التمويل, مستغلة أن الغرب يحمي حرية العقائد, إنه النفوذ السياسي الذي يستخدم الدين أداة للتوسع والسيطرة حتي لو بالاتفاق مع الإرهاب, حتي لو علي حساب الدين نفسه, وحتي لو علي حساب البشر ولنا فيما تفعله المنابر الإعلامية القطرية من تهييج وإثارة للطائفية والمللية مؤشر واضح لاتجاهاتها ومن اليسير علي المتابع للسلوك القطري الإعلامي رصد تلك الاتجاهات ليس فقط تجاه مصر, وإنما تجاه المنطقة كلها, وهنا يجب التفريق بين حرية إقامة دور العبادة التي تدعمها أوروبا وبين إصرار قطر علي تمويل من يشرف عليها ويخطب فوق منابرها من دعاة التطرف, فالأولي محببة والثانية جريمة يدفع كلفتها الأبرياء من دمائهم فمتي يوقف العالم إرهاب الدوحة؟.