ظل السيد المسيح على الأرض أربعين يومًا بعد قيامته حتى الصعود وكانت لظهوراته معنى عميق، وهدفها تثبيت إيمان التلاميذ والمؤمنين وغيرهم كي يتشجعوا ويدركوا معنى الفداء ويتمتعون بالقيامة والخلاص؛ لذلك توجهت “وطني” إلى أحد المسؤولين بالكنيسة لكي يتحدث معنا عن ظهورات المسِيح بعد القيامة:
القمص إبرام جيد كاهن كنيسة العذراء مريم بعين شمس قال: ظهورات المسيح بعد القيامة تؤكد القيامة نفسها، وحتى يدرك الجميع أن المسيح كسر شوكة الموت وقام لينعم الجميع بالخلاص..
كان الظهور الأول من نصيب المريمتان والثاني لمريم المجدلية:
كان أول ظهور للسيد المسيح عندما ذهبن المريميتين عند القبر، فجر الأحد، وهما مريم المجدلية ومريم أم يعقوب.
أحداث القيامة بدأت الساعة 4 فجرًا حين خرجت مريم الساعة الرابعة صباحاً ومعها بعض المريمات تحدت مريم المجدلية الظلام والحراس ولكن كان باب المدينة مغلق، حيث أن أورشليم لها خمسة أبواب أحدهم كان لعامة الشعب، فظلت المجدلية عند الباب حتى الخامسة صباحاً وقت فتحه، ومجرد أن فتح باب المدينة سبقت المجدلية المريمات فوصلت إِلى القبر الساعة الخامسة والنصف، وذهبت للقبر فوجدته فارغ والحجر قد دحرج فأخذتها الحيرة وظلت هكذا حوالي نصف ساعة حتّى وصلت المريمات.
وقد أعلن لهما الملاكَ، أن يسوع المصلوب قد قام وأعطاهما رسالة الكرازة “قُولاَ لإِخوتِي أنْ يذهبُوا إِلَى الجلِيلِ وَهُناكَ يروننِي” ( مت 28 : 10 )
لذلك المسيح كافأ المريمتان وأعلن لهما القيامةوسجدتا له وأمسكتا بقدميه. ثم رجعت المجدلِية ومريم الأخرى وأخبرتا التلاميذ فذهب بطرس ويوحنا للقبر وكانت الساعة حوالى السادسة والنصف صباحا لكن المجدلية أيضًا سبقتهما إِلى هناك، ثم رجع بطرس ويوحنا متحيرين لكن المجدلية ظلت هناك تبكي وقابلت البستاني، وقال لها: “يا امرأة لماذا تبكين، فقالت له: ” أخذوا سيدي ولست أعلم أين وضعوه”، ولما قالت هذا التفتت إلى الوراء فنظرت “المسيح”، واقفًا ولم تعلم أنه هو، فقال لها: “يا امرأة لماذا تبكين” فظنت تلك أنه البستاني فقالت له: “يا سيد ان كنت انت قد حملته فقل لي أين وضعته وأنا أخذه”، فقال لها: “يا مريم”، فالتفتت وقالت له “ربوني” الذي تفسيره يا معلم.
فقال لها السيد المسيح: “لا تلمسيني لأني لم أصعد بعد إلى أبي ولكن اذهبي إلى اخوتي وقولي لهم أني أصعد إلى أبي وأبيكم والهي وإلهكم”، فجاءت مريم المجدلية وأخبرت التلاميذ إنها رأت السيد المسيح، وخبرتهم بما قاله لها.
ومن هذا التاريخ نتعلم نحن، أنه لا يمكن أن أفرح بالقيامة وحدي من أهم مؤشرات القيامة وفاعليتها في حياتنا أن نكون مبشرين بها و لا يمكننا أن نرى إنسان يعيش في موت الخطية ونصمت بل يجب أن نحزن عليه ونبشره “تُبشِّرُون بِموتِي وَتعترِفُون بِقيامتِي” نتيجة طبيعية لعمل القيامة في حياتنا..
والظهور الثالث كان لتلميذي عمواس :
وهنا قصة رائعة أشار لها مرقس الإنجيلي (مر16: 12)، وهي أن اثنين من المقربين والتابعين للمسيح وهما كليوباس والثاني يقال إنه لوقا نفسه ولاتضاعه لم يذكر إسمه أو هو أحد الرسل، وهذان الاثنان ليسا من الأحد عشر تلميذًا.
بعد قضاء ثلاثة أيام في أورشليم متأثرين بأحداث الصلب والموت، ثم معرفة أخبار القبر الفارغ وظهور الملائكة مبشرين بالقيامة، تحير هذان التلميذان وفضلا في النهاية أن يعودا إلى حياتهما الأولى بعد انتهاء قصة يسوع في نظرهما. فذهبا إلى قريتهما عمواس، وهي تبعد حوالي 12 كيلو مترًا من أورشليم، أي حوالي ساعتين مشيًا على الأقدام، وكان ذلك في يوم أحد القيامة نفسه في وقت المساء.
اقترب المسيح من التلميذين كأنه أحد المشاة في الطريق، وسار معهما وكان هذا أمرًا عاديًا أن يتكلم المشاة في الطريق مع بعضهم ليهونوا على أنفسهم طول المسافة. وظناه شخصًا عاديًا ولم يعرفاه لأنه لم يرد في ذهنهم احتمال قيامته من الأموات.
سأل المسيح التلميذين عن الحوار الحزين الذي يتكلمان فيه قاصدا أن يدخل معهما في الحديث ليقودهما إلى الإيمان، فرد عليه كليوباس الرسول، بتعجب، فكيف كان في أورشليم وخارجا منها في أحد الطرق ولم يعرف ما حدث فيها، وهل هو غريب لا يعرف أحدا فيها؟
سألهم المسيح عن هذه الأحداث ليكشف ضعف إيمانهما ويعالجه، فأعلنا إيمانهما الضعيف بالمسيح أنه مجرد نبي قوى يعلم تعاليم مؤثرة ويعمل معجزات، وكانا يودان أن يكون هو المسيا المخلص ولكن بعد هياج رؤساء الكهنة والحكام عليه صلبوه ومات، وهكذا انتهت القصة في نظر هذين التلميذين، إذ تأكد موته بمرور ثلاثة أيام عليه في القبر.
أوضح المسيح سبب المشكلة وهو ضعف إيمانهما، وأعلن الحقيقة وهي ضرورة تألم المسيح قبل أن يتمجد، وبدأ يشرح نبوات العهد القديم من أيام موسى وكيف تمت في حياته على الأرض وآلامه وموته، ليجذب قلوبهم إلى الإيمان؛ ورغم قبولهما كلامه لم يصلا إلى مستوى الإيمان به ومازالا لا يعرفاه.
استمر الحديث ما يقرب من الساعتين ووصلوا أخيرًا إلى قرية عمواس، وكان الليل قد أقبل فتظاهر المسيح أنه مستمر في المشي إلى مكان أبعد من عمواس. وهنا ظهرت فضيلة المحبة عند هذين التلميذين، إذ أرادا استضافته في بيتهما لأنه من الصعب المشي ليلًا في هذه الطرق، وحاول المسيح أن يعتذر لكي لا يثقل عليهما أما هما فتشددا في استضافته، وهكذا ظهرت محبتهما القوية.
بعد دخولهما البيت أعدا طعام العشاء، وعند البدء في الأكل أخذ المسيح خبزا وباركه وكسره بنفس الطريقة التي كان يبارك بها الطعام وهو بين الجموع وتلاميذه، ولعله عند رَفْع يديه المباركة رأيا أثار المسامير فيها فتأكدا من شخصيته، وعَرِفا أنه هو المسيح. وهنا اختفى المسيح عن أعينهما، لأنه بهذا الجسد الممجد يستطيع أن يدخل ويخرج والأبواب مغلقة وينطلق من أي مكان إلى آخر بسرعة.
ومن هنا عاتبا التلميذان نفسيهما، كيف لم يعرفا المسيح طوال الطريق رغم حديثه الجميل المقنع.. وحزنوا من قلة إيمانهم ولكنهم فرحوا وتهللوا بقيامة الرب يسوع التى أصبحت ملموسة لديهم.
الظهور الرابع للتلاميذ العشرة في العلية:
عقب ظهورات السيد المسيح الثالث، وما قالته “المجدلية” عن ظهوره لها، ظهر بذاته للتلاميذ العشرة في العلية – في منزل القديس مارمرقس،وتحدث معهم وقال لهم، إنه سيصعد للسماء بعد أربعين يوما، وهؤلاء الأربع ظهورات كانوا في نفس يوم القيامة.
وفى نفس السياق أكمل القمص فيلوباتير زكي كاهن كنيسة العذراء مريم بالخصوص..ظهورات السيد المسيح بعد القيامة كانت ضرورية وهامة حتى يدرك الجميع أن المسيح قد قام وهزم الموت وكى يلمس الجميع القيامة حتى لا يفقد أحد إيمانه..
وكان الظهور الخامس من نصيب التلاميذ وتوما:
وكان الظهور الخامس للتلاميذ ومعهم “توما” الذى شك فى خبر قيامته من الموت ولم يصدق، لانه لم يكن توما في الاجتماع الأول لما حظي التلاميذ برؤية الرب وبعد قيامته من الأموات، فقال توما “إِنْ لَمْ أُبْصِرْ فِي يَدَيْهِ أَثَرَ الْمَسَامِيرِ، وَأَضَعْ إِصْبِعِي فِي أَثَرِ الْمَسَامِيرِ، وَأَضَعْ يَدِي فِي جَنْبِهِ، لاَ أُومِنْ” (إنجيل يوحنا 20: 25) وقد أطلق عليه بعد هذه الحادثة توما المتشكك. وبعد ثمانية أيام ظهر له المسيح مع التلاميذ وأراه الجروح التي في يده وقدمه وجنبه فقال “ربي وإلهي” (يو 20: 29) .
الظهور السادس للتلاميذ فى الجليل:
وكان هذا الظهور للتلاميذ جميعا في منطقة الجليل، حيث أصر السيد المسيح على مقابلة التلاميذ في الجليل، لأن الجليل هو المكان الذي تقابل فيه مع التلاميذ لأول مرة، وكان يريد أن يبدأ مع التلاميذ بداية جديدة وأراد أن يقول لهم هلم ننسى ما مضى، من الإنكار والخيانة والهروب وهلم نتقابل وكأننا نتقابل لأول مرة من جديد .
الظهور السابع عند بحر طبرية للتلاميذ:
وكان الظهور السابع عند بحر طبرية، أثناء صيد بعض التلاميذ ل 153 سمكه، وفي بحر طبرية وكان الظهور لسبع تلاميذ.
الظهور الثامن للتلاميذ بطرس
كان ظهور خاص لبطرس الذى كان خجلان من إنكاره للمسيح، فبحث يسوع عنه ليرده لرتبته الأولى و كلمه بكل حب ورقة وحنان ” عِندِي شيء أقُولُهُ لَكَ ” ( لو 7 : 40 ) خجل بطرس جدا وكأنه يعلم ما سيقوله يسوع له، فقد توقع توبيخ لكن المسيح له المجد قال له ” أتُحِبُّنِي ” ( يو 21 : 15 ) يجيبه بطرس ” أنت تعلمُ أنِّي أُحِبُّكَ ” ( يو 21 : 15 )يقول له ” ارع غنمِي ” ( يو 21 : 16 )
ثلاث مرات يسأله نفس السؤال ويطلب منه أن يرعى غنمه ويرعى خرافه، فلماذا ؟ عندما نحزن من شخص نجد أنفسنا لا نريد أن نراه، لكن يسوع عاتب بطرس ولم يفاتحه فى أى شئ فعله فى حقه.. ولذلك يجب أن نتعلم نحن عتاب الحب مثلما فعل الرب مع بطرس .
الظهور التاسع ظهر ليعقوب
وكان ظهور فى غاية الاهمية رغم أن الكتاب لم يكتب عنه كثيرا، حيث كان يعقوب أكبر التلاميذ سنا حتى أنهم لما ناقشوا مسألة التهود أقاموا مجمع وجعلوا يعقوب رئيس المجمع، وكان أسقف أورشليم وأول من أستشهد فى التلاميذ، فنقرأ فى سفر الأعمال أن هيرودس الملك مد يده إِلى الكنيسة “فَقتل يعقُوبَ أخا يُوحنَّا بِالسَّيفِ.وَإِذْ رأى أنَّ ذلِكَ يُرضِي اليهُود عاد فقبض عَلَى بُطرُسَ أيضاً” ( أع 12 : 2 – 3 ) أراد أن يجعله عبره لكل المسيحيين فأخذ الأسقف وهذه عادة المضطهدين أن يقتلوا الأسقف فتهتز الكنيسة”اضربُ الرَّاعِي” ( مت 26 : 31 )
عرف المسيح أن يعقوب يحتاج معونة خاصة ولقبوه بأخو الرب فأعطاه تمييز خاص حتى عندما يستشهد يكون قد أخذ قوة القيامة ويجتاز الموت فكان أول شهيد فى التلاميذ ورحل فى صمت.
الظهور العاشر كان لخمسمائة أخ:
كان الظهور العاشر لخمسمائة أخ حتى ينظر الجمع ويتهلل بقيامة رب المجد يسوع المسيح.
الظهور الحادى عشر والأخير للتلاميذ:
وجاء ظهور الأخير على جبل الصعود، عندما أوصى تلاميذه بالخدمة، ورأوه بأعينهم يصعد للسماء، حتى ظهر ملاكين وقالوا للتلاميذ: الذى رفع عنكم إلى السماء، سيأتي كما رأيتموه ذاهبا إلى السماء.