أنشأت الدولة جوائز للمبدعين والباحثين في مجالات الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية منذ عام1958 وأضيفت جائزتان جديدتان وهما جائزة مبارك وجائزة الدولة للتفوق في عام1998,وتعد جائزة مبارك هي أعلي الجوائز قيمة,وتمنح لشخصية بارزة في كل من مجالات الآداب والفنون والعلوم الاجتماعية,وقيمة كل جائزة من الجوائز أربعمائة ألف جنيه وميدالية ذهبية,أما جائزة الدولة للتفوق وهي تمنح سنويا للمتفوقين في مجالات الآداب والفنون والعلوم الاجتماعية وتبلغ قيمة كل جائزة مائة ألف جنيه مصري,وميدالية فضية,هذا إلي جانب جائزة الدولة التقديرية التي تمنح سنويا للمتميزين في الإنتاج الفكري في مجالات الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية,وتبلغ قيمة كل جائزة مائتي ألف جنيه وميدالية ذهبية,هذا بالإضافة إلي جوائز الدولة التشجيعية التي تمنح سنويا عن أفضل المصنفات والأعمال وتبلغ قيمة كل جائزة خمسين ألف جنيه.
وشهد نهاية شهر يونيو الماضي إعلان وزير الثقافة الفنان فاروق حسني في مؤتمر صحفي عقد بالمجلس الأعلي للثقافة أسماء الفائزين بجوائز مبارك والتفوق لعام2009,والتشجيعية والتقديرية لعام 2008,وفاز الروائي بهاء طاهر بجائزة مبارك في الآداب,وفاز الروائي الراحل يوسف أبو رية بجائزة التفوق في الآداب تلته الدكتورة رجاء ياقوت التي قضت أربعين عاما في محراب الأدب الفرنسي وأعمال الترجمة من العربية إلي الفرنسية وبالعكس من أجل تفاعل وتقارب وعناق الحضارات كما حصل علي جائزة الدولة التقديرية في مجال الآداب الدكتور جابر عصفور مدير المركز القومي للترجمة والأديب يوسف القعيد,وذهب جوائز الدولة التشجيعية في مجال الآداب لنجوي السيد عن ديوانشعر العاميةوالدكتورة وفاء حسن عنعمل موسيقي للأطفال,وزكريا عبد الغني عنالرواية التجريبية,كما فازت الدكتور نعمات أحمد فؤاد بالتقديرية في العلوم الاجتماعية بمشاركة الدكاترة:قاسم عبده قاسم,سيد القمني,حسن حنفي.
بهاء طاهر
خالتي صفية والدير
لوحت شمس الصعيد بشرة الأديب الكبير بهاء طاهر مكسبة إياه سمرة الوجه وملامح مصرية أصيلة عبر سنين حياته التي تقارب أربعة وسبعين عاما حيث شهد عام1935 ميلاده,ومنذ بداية حياته استقل أديبنا الكبير قطار النجاح فحصل علي ليسانس الآداب في التاريخ عام1956,وانتقل إلي العربة التالية في ذلك القطار فقام بعمل دراسات عليا في الإعلام والتاريخ الحديث,ثم تلتها عربة العمل في الأمم المتحدة كمترجم في الفترة ما بين1981-1995,ولم يخلف الأديب بهاء طاهر لقطار النجاح موعدا فاستقل عربة الإبداع وأخذ يجوب بها بين ثنايا الواقع مازجا إياه بالخيال لينتج لنا روائع أعماله الأدبية والتي تنوعت بين الرواية والمجموعة القصصية,بالإضافة للأعمال المترجمة والتي نذكر منهاالخطوبة ,بالأمس حلمت بك,أنا الملك جئت,شرق النخيل,قالت ضحي,خالتي صفية والدير,الحب في المنفي,10مسرحيات مصرية عرض ونقد,واحة الغروب.
ولم يكتف كاتبنا الكبير بهاء طاهر بقطار النجار بل استقل طائرته أيضا عام2000 ليحلق بها فوق القارات عابرا بها البحار والمحيطات إلي الجوائز العالمية حيث سافر إلي إيطاليا لاستلام جائزةجوسبي تشربيعن روايتهخالتي صفية والديروالتي صدرت عام1991 وحققت نجاحا نقديا وجماهيريا كبيرا فطبعت عدة مرات وترجمت وتحولت إلي مسلسل تليفزيوني ومسرحية.
والجدير بالذكر أنجوسبي تشربيهو موسيقار إيطالي أوصي قبل وفاته,أن توضع ثروته تحت تصرف مؤسسة ثقافية تحقق التقارب بين الشعوب ثقافيا وإبداعيا,لذلك تختار المؤسسة في كل عام أدب أحد الشعوب,وتجري مسابقة بين الأعمال المترجمة منه إلي اللغة الإيطالية,اختار القراء الإيطاليون رواية بهاء طاهرخالتي صفية والديرمن بين خمس روايات مصرية أخري كانت مرشحة للجائزة والتي تبلغ قيمتها المادية ثلاثة آلاف دولار أمريكي.
يقدم بهاء طاهر في روايتهخالتي صفية والديرالقرية بكل تقاليدها مصورا بحرفية ومهارة غير عادية تناقض وضع الفلاحين بالنسبة لأثرياء القرية ذوي المكانة العالية مشيرا إلي الدير الذي يحتل مكانة مقدسة عند المسلمين والمسيحيين علي السواء حيث يصفه الراوي قائلا:كان مسموحا لي أن أتجول علي حريتي في الدير الذي يشبه قريتنا إلي حد ما بطرقاته المتعرجة وبيوته أو قلاياته المبنية بالطين والتي تختلف فقط في أن سقوفها علي شكل قباب ويسرف الراوي بعدها في الحديث عن الخالة صفية بعبارات قوية رنانة تبرز بلاغة بهاء طاهر الأدبية حيث يصفها قائلا:لم تكن خالتي صفية تكبرني بأكثر من سبع أو ثماني سنوات كما أنها لم تكن في الحقيقة خالتي….كنت أعتبرها أجمل إنسانة في العالم.ومثلما كانت الخالة صفية جميلة الجميلات بين البنات,فكان العم حربي أوسم الرجال فنري الراوي ينعته قائلا:كان حربي طويل القامة بشرته خمرية ولكن في خديه دائرتين مشربتين بحمرة الدماء يحددها شاربه الأسود الذي يزيده وسامة بطرفيه المفتولين باستمرارأما الشخصية الثالثة المهمة بعد شخصيتي صفية وحربي فهي شخصية البك القنصل أحد أثرياء القرية الذي يبحث عن زوجة ينجب منها ولدا ليرث ثروته ويساعد حربي البك في هذا وتكون المفاجأة الكبري أن توافق الخالة صفية علي الزواج من البك القنصل.
وتستمر الحكاية لتنجب صفية للبك الحلم المنتظر حسان,لكن تقع الكارثة وتقع محاولة للاعتداء علي الرضيع,لتتجه الشكوك نحو حربي,وهكذا تتطور الأحداث شيئا فشيئا وتتخذ مسارا مثيرا للغاية حيث يحدث تحول غريب في شخصية خالتي صفية,فنجدها في بداية الرواية فتاة جميلة مهذبة يطمح فيها الكل للزواج منها.أما في النصف الثاني من الراوية بعد مقتل زوجها نجدها قد صارت شخصية صلبة جافة قاسية القلب لا تفكر سوي في الثأر لزوجها من حربي,لذلك يمثل الدير في القرية المكان الوحيد الآمن الذي يمكن أن يحتمي به حربي,وبهذا يقدم بهاء طاهر نموذجا فريدا للوحدة الوطنية حيث لا يرفض الأقباط تواجد حربي في ديرهم بل ويعطونه الأمان ويحمونه أيضا.
ليلة عرسي
مع أزاهير الصباح غردت العصافير لتعلن بداية عام جديد تفتحت فيه أعين طفل رضيع وانطلقت صرخاته في الفضاء مدوية معلنة عن ميلاد ذلك الروائي الكبيريوسف أبو ريهفي الثالث من يناير عام1955 بمركزههيابمحافظة الشرقية,وارتفعت زغاريد الفرحة لحصوله علي شهادته الجامعية في الإعلام من جامعة القاهرة,واستمرت رحلة النجاح حيث شغل منصب مدير عام في مركز البحوث وأمين عام لصندوق رابطة القلم المصرية طوال الأعوام الـ13 الأخيرة من حياته.ولكن لم يمهله القدر طويلا فرحل عن عالمنا هذا العام عن عمر يناهز53عاما بعد صراع طويل مع مرض سرطان الكبد.
وظل حبر قلم هذا الكاتب المفعم بالموهبة والإبداع ينساب فوق قصاصات أوراقه البيضاء الرابضة فوق مكتبه تنتظر بشغف كلماته لتنسج من خيوطها أولي مجموعاته القصيصةالضحي العاليعام1985 ثم تلاها عكس الريح عام 1987,وش الفجرعام1993,ترنيمة للدارعام1995,ظل النارعام1997,شتاء العريعام2003.
وأبت الأوراق أن تجلس وحيدة بمفردها فجذبت إليها القلم الذي ظل حبيس أنامل أديبنايوسف أبو ريةإلي أن كتب لنا خمس روايات هي:عطش الصبارعام1998,تل الهويعام1999,الجزيرة البيضاءعام2000 ليلة عرسعام2002,عاشق الحيعام2005.
وهكذا ظلت علاقة الشغف بين الأوراق وقلم الروائي الكبير يوسف أبو رية فأشعلت إبداعه وألهمت خياله ليكتب لعالم الطفولة الساحر,فأخذت تحث إياه علي أن يروي ظمأها بحبر قلمه إلي أن ترك للأطفال العديد من الكتب منهاخبز الصفارعام1988,طفولة الكلماتعام1995,هكذا تكلمت الأشياءعام2004,الورد جميلعام2003,مغامرات ماركوبولوعام2005.
وأدعو القارئ الآن إلي الاستعداد للإبحار معي علي متن سفينة أديبنايوسف أبو ريةوذلك من خلال الغوص في أعماق روايتهليلة عرسالفائزة بجائزة نجيب محفوظ والصادرة ضمن سلسلةروايات الهلالوتدور الرواية في مدينة صغيرة تشبه القرية في معرفة السكان بعضهم لبعض وتتمحور الأحداث حول شخصية حودة صبي الجزار الأصم الأبكم الذي يحمل صفات المهمش المقموع سواء في علاقاته مع أمثاله من المهمشين أو في علاقته بعالم السادة الذي يتصدره المعلم الجزار بكل ما يحمله من استغلال وظلم ويستطيع حودة الاطلاع علي أسرار وخبايا جيرانه ورغم عاهته يعبر عنها بلغة الإشارة فيفضح حودة المسكوت عنه لينسف الهدوء الظاهري المغلف بالأخلاق والشرف لتلك المدينة الصغيرة التي تشبه القرية في معرفة السكان بعضهم لبعض,لذلك يقرر الجميع وعلي رأسهم الجزار والشيخ سعدون الانتقام منه وإحباك مؤامرة للنيل منه وإذلاله والسخرية منه.
ونجح يوسف أبو رية في رسم صورة حقيقية لتلك المدينة الصغيرة التي تدور بها الأحداث معبرا بقلمه عن صورالقذارةوالتشوه الجسدي سواء لحودة بالبطل الأبله أو لجيرانه من ذوي العاهات المختلفة مجسدا طبيعة الحياة اللا إنسانية للمهمشين المحاصرين بالمرض والفقر وأشكال الهوان الإنساني المتعددة وكل ذلك في حبكة مثيرة وسخرية لاذعة وجرأة شديدة في نقد الواقع المصري المعاصر.
ولم يريد الكاتب والمترجم نيل هيوسنأن يستمتع القارئ العربي فقط بتلك الرواية لذلك قام بترجمتها وأشاد بها قائلا:إنها متعددة الأبعاد وشخصياتها مرسومة ببراعة,كما أن المدينة الصغيرة مكتوبة بشكل جيد لدرجة أن المناظر والأصوات وبشكل خاص الروائح تخرج من الصفحات لتهاجم الحواس.
شكاوي المصري الفصيح
علي ضفاف الترعة بقرية الظاهرية بمحافظة البحيرة,لعب الطفل يوسف القعيد الذي ولد عام1944,فتأثر بالمحيط القروي واهتم بالتعبير عنه,ويعتبر يوسف القعيد من رواد الرواية في مرحلة ما بعد نجيب محفوظ الذي ربطته به علاقة متينة وحازت روايتهالحرب في بر مصر المرتبة الرابعة ضمن أفضل مائة رواية عربية.
ومن طمي القرية ونقاء طبيعتها شيد يوسف بناء رواياته مثلالبيات الشتوي,يحدث في مصر الآن,الحرب في بر مصر,القلوب البيضاء,وجع البعاد,بلد المحبوب,لبن العصفور,أطلال النهار,أربع وعشرون ساعة فقط,قطار الصعيد,قسمة الغرماء,شكاوي المصري الفصيح,هذا إلي جانب مجموعات القصص القصيرة مثلالبكاء المستحيل,الفلاحون يصعدون إلي السماءمن يذكر مصر الأخري.
وتعد رواية يوسف القعيدشكاوي المصري الفصيحالتي أصدرت عام1989 العمل الأبرز والأضخم في مسيرة يوسف القعيد الروائية وتنقسم إلي ثلاثة أجزاء هي:نوم الأغنياء,المزاد,أرق الفقراء.
تمثل هذه الرواية رصدا لمختلف شخصيات أسرة مصرية في فترة السبعينيات حيث تترك قصرها وتضطر للسكن في القبور وكحركة احتجاجية لطردها من المقبرة التي تسكنها يقرر كبير الأسرة عرض عائلته للبيع في ميدان التحرير فتفسر السلطة هذا العمل بالتمرد وأحداث الشغب وتتعامل معه بكل تعسف في ظل ما تعيشه مصر آنذاك من توتر سياسي في أعقاب بوادر التطبيع مع إسرائيل بالتوازي مع أحداث الرواية يعرض يوسف القعيد همومه وهموم الكاتب المصري عموما لنشر أعماله ويمرر عبر الرواية عشرات المواقف المضحكة التي يعيشها هذا المصري الفصيح.
نجم في عالم الفكر والنقد
اشتهرت المحلة الكبري بغزلها المتفرد في الجودة لذلك غزلت من خيوط العلم والإبداع بساط ريح حلق في عالم الفكر والنقد منذ ميلاد الدكتور جابر عصفور عام1944 والذي حصل علي درجة الدكتوراه من قسم اللغة العربية بكلية الآداب بمرتبة الشرف الأولي عام1973 وعمل أستاذا جامعيا بالعديد من الجامعات العربية والغربية,وشغل العديد من المناصب منها أمين عام للمجلس الأعلي للثقافة منذ عام1992 ولمدة 14عاما.
وظل الدكتور جابر عصفور يحصد الجوائز الواحدة تلو الأخري فكانت أول فرحة عام1984 حيث حصل علي جائزة أفضل كتاب في الدراسة النقدية من وزارة الثقافة ثم تلتها جائزة أفضل كتاب في الدراسات الأدبية من مؤسسة الكويت للتقدم العلمي في الكويت عام1985 وأعقبتها جائزة أفضل كتاب في الدراسات الإنسانية عام1995,كما حاز علي جائزة سلطان بن علي العويس الثقافية الدورة الخامسة في حقل الدراسات الأدبية والنقدية.وفي عام2003 استلم درع رابطة المرأة العربية,وفي عام2008 حصل الدكتور عصفور علي جائزة منظمة اليونسكووهو أول مفكر مصري ينال هذه الجائزة والتي تمنحها المنظمة الدولية سنويا لشخصية عربية بارزة في إنجازها الثقافي وفي نفس العام حصل علي جائزة الشارقة للثقافة العربية في دورتها العاشرة وهي واحدة من أهم الجوائز الثقافية العربية,وللدكتور عصفور دور كبير في الإشعاع الثقافي العربي وله العديد من المؤلفات في النقد الأدبي,إلي جانب مؤلفات عديدة في الأدب والتراث العربي,ونشر له العديد من المؤلفات منها26كتابا أدبيا و5كتب أدبية مترجمة ولتميز أعماله وغزارتها كتب العديد من الأدباء عن أعماله منهم الدكتور ابن الوليد يحيي والدكتور محيي الدين محسب.