المؤلف: ممدوح شعث
الناشر: دار أطلس للنشر والإنتاج الإعلامي
للوهلة الأولي يبدو عنوان رواية محاكمة الشيطان للكاتب ممدوح شعث أنها ضرب من الخيال ومحاولة لاكتشاف قوي الشر التي يتحكم فيها الشيطان ويدير دفتها.. وقد يخيل للقارئ أنه سوف تأتي اللحظة التي يفصح فيها الشيطان عن خططه ومناوراته لصيد فرائسه من خلال محاكمته.. هذا ما ظننته قبل أن أفتح أول ورقة في هذا الكتاب الذي تطغي الألوان الحمراء والسوداء علي غلافه.
شيء غامض
الرواية تطرح قصة واقعية – كما يؤكد الكاتب – عن شاب ينشأ في مجتمع طيب وبين أحضان أسرة فاضلة محبة لله والناس, حتي دائرة أصدقائه تضم نخبة من الضباط المحترمين.. كل هذه المؤشرات توحي بمستقبل مرض لهذا الفرد الذي وفرت له الظروف كافة المقومات للنجاح والحياة المستقرة. ولكن يبقي شيء غامض بهذا الفتي.. والكاتب في رحلته عبر أحداث الرواية يحاول أن يلقي بهذه القشور التي تحيط ببطله مثل الهالة ويدخل أغوار هذه النفس ويكشف عن مخابئها الكامنة التي لا يدري بها أحد حتي أقرب المقربين إليه.. وكلما يغوص القارئ بين أوراق الرواية تنفذ رائحة العفن التي تفوح من هذه النفس ويدخل سراديب الغرف المظلمة المختفية في بطل الرواية مدحت أحمد كشري.
الرواية تدور حول جريمة قتل,حيث تختفي عبلة لمدة عشرة أيام وتضطر أمها للإبلاغ عن هذا التغيب المفاجئ,وتكتشف أن هناك عقد زواج بين ابنتها والعقيد مدحت جار ابنتها.
يبرع الكاتب في سرد الأحداث بطريقة شيقة ومرتبة ولا يترك مجالا لخيال القارئ أو التوغل في استنتاج القاتل, فطريقة الحكي سهلة ومسلسلة وتتمحور حول البطل الرئيسي مدحت الذي يتصف بالمرح والحيوية والرغبة في ارتشاف مباهج الحياة لآخر قطرة.
والكاتب بشكل صريح يصور مدحت الإنسان الذي يظهر بجسده الممشوق وجمال بنيته وتقاطيعه الجذابة متسربلا بقناع الصداقة والمروءة والمحبة,بينما في الحقيقة يخفي بداخله شيطان لذة المال والمتعة بأية رغبة حتي لو لكانت محرمة وشريرة.
ربما أراد الكاتب أن يقول إن كل إنسان يحمل داخله كثيرا من المتناقضات ونحن فقط المسئولون عن ترويض هذا المارد – فإما أطمعناه بإشباع غرائزه أو ألجمناه بتعففنا عن الرذائل. والبطل اختار الطريق الأول من اللهث وراء أطماعه المادية والتمتع بالحياة الرغدة,رغم أن مركزه الوظيفي ووضع عائلته الاجتماعي يضمن له ذلك, ولكنه لا يكتفي ويسعي وراء المزيد.
وأسهل طريقة هي البحث عن فريسة لديها بعض المال. كان أول ضحية زوج أخته, ورغم أن الجريمة قيدت ضد مجهول,إلا أن هناك إشارات قوية تشير بأصبح الاتهام إلي مدحت الذي يرتكب هذا الجرم بدافع سرقة بعض المال ومصوغات أخته.
تزوج مدحت فتاة مستورة زواجا تقليديا لم يربح منه شيئا – صفقة خاسرة – في دنيا المال ويقرر طلاقها بعد عام. تأتي الصفقة الحقيقية عندما يقابل سناء وهي من عائلة محترمة وثرية ويخيل لمدحت أن أهلها سوف يوفرون له كل ما يحلم به, ولكن سرعان ما يكتشف أنهم تركوه ليدير دفة زواجه بنفسه ويجد نفسه مسئولا عن زوجة وطفلين.. تتبخر خيالاته عن المتعة والأموال الفياضة. أخيرا تأتي الفرصة مع الجارة الجديدة الجميلة عبلة التي يحكم شباكه حولها حتي تقع في قبضته وتتزوجه, وعندما تكتشف حقيقة الشيطان الذي بداخله يقتلها بلا رحمة ويسرق أموالها ومصاغها.
أجاد ممدوح شعث في طريقة الحكي. واللغة سهلة وممتعة قادرة علي جذب غير المتخصصين في الأدب أو الهواة لقراءتها,لأنها تتميز بالطابع الواقعي الممزوج بلمسات القصص البوليسية.
ملاك وشيطان
رغم أن الرواية تدور حول جريمة بشعة تتجسد فيها أسوأ ما تحويه النفس الإنسانية من عنف وقسوة, إلا أن الكاتب أبرز أيضا المشاعر الإنسانية الرقيقة النبيلة المتمثلة في الصديق المخلص ضياء الذي لم يشك في تصرفات مدحت, وكان دائما يبررها بأنها بعض من الطيش. كان ضياء – كما يدل اسمه – مشعا بالنور والمحبة لمن حوله فهو رب أسرة يحتضنها ونعم الصديق الذي لا يفكر مطلقا في الخدمات التي يقدمها لأصحابه, لأنه يريد شيئا واحدا هو إسعاد من حوله, وحتي عندما علم بحقيقة مدحت المفجعة لم يطاوعه ضميره لتركه, فكان الصديق الوحيد الذي وقف جانبه كان أمله الوحيد أن يجد مشاعر التوبة في صديقه حتي تغسله من ذنوبه,ولكن حسب قوانين الطبيعة فالشياطين لا تتحول إلي ملائكة.