إن كنت أما أو أبا, رجلا كبيرا أو شابا, زوجا أو زوجة.. كيفما يكون وضعك ومجتمعك فسفر الأمثال يحكي لك كيف تكون إنسانا.. وكيف تكون ناجحا في حياتك.. وكيف تمارس إنسانيتك بالصورة التي رسمها الله في خلقتك علي الأرض.
لذلك يمكن أن نطلق علي سفر الأمثال دائرة معارف, فهو يعلمنا الحكمة وإحدي مشكلات الإنسان اليوم أنه ناقص في الحكمة, ليس لديه قدر كاف من الحكمة سواء في كلامه أو أفعاله أو ممارساته وأقواله.. سفر الأمثال يعلمك كيف تكون حكيما..
========
العيون المتعالية
نحن نستخدم عبارات.. نظر إلي من أعلي لأسفل, نظر إلي بغضب, نظر إلي نظرة قاتلة, هذه لها عينان بريئتان كالأطفال, هذا الإنسان عيناه حزينتان أو ثاقبتان.. إلخ
في العددين السابقين تكلمنا عن:
كيف يري المتعالي نفسه؟ وكيف يتعامل مع الآخرين؟
وكيف يري الآخرون المتعالي؟ وكيف يتعاملون معه؟
وفي هذا العدد نتكلم عن:
كيف يري الله الإنسان المتعالي؟ وكيف يتعامل معه؟
(1) كيف يري الله الإنسان المتعالي؟
يقول المزمور: الرب عال ويري المتواضع. أما المتكبر فيعرفه من بعيد (مز138:6), وفي سفر الأمثال يقول: قبل الكسر الكبرياء وقبل السقوط تشامخ الروح (أم16:18).
الله يري المتعالي صاحب العيون المتعالية منحدرا ساقطا لأسفل, مثله مثل الشيطان الذي يحارب الناس ليصيروا مثله في الشر, فالشيطان سقط بسبب كبريائه وتعاليه. يقول عنه السيد المسيح: رأيت الشيطان ساقطا مثل البرق من السماء (لو10:18).
وفي تسبحة أمنا العذراء تقول: أنزل الأعزاء عن الكراسي ورفع المتضعين (لو1:52) هذا عمل الله الذي يري الإنسان المتعالي.
وقد سبقه إشعياء بقوله: كيف سقطت من السماء يا زهرة بنت الصبح؟ كيف قطعت (طردت) إلي الأرض يا قاهر الأمم؟ وأنت قلت في قلبك: أصعد إلي السماوات. أرفع كرسيي فوق كواكب الله… أصعد فوق مرتفعات السحاب. أصير مثل العلي. لكنك انحدرت إلي الهاوية إلي أسافل الجب (إش14:12-15), والكتاب المقدس يقول: من يظن أنه قائم فلينظر ألا يسقط (1كو10:12).
لقد تكلمنا عن هامان وكيف أنه رجع إلي بيته حزينا مغطي الرأس نائحا, وشعر أهله وأحباؤه أنهم أمام قوة عظيمة خفية عملت عكس ما خططوا له وصغروا في أعين أنفسهم.
فقالت له أسرته وحكماؤه: إذا كان مردخاي الذي ابتدأت تسقط قدامه من نسل اليهود فلا تقدر عليه بل تسقط قدامه سقوطا (أس6:13). في الحقيقة أنه لم يسقط أمام مردخاي, بل سقط أمام إله مردخاي.
مثال… جليات:
في حرب بني إسرائيل مع الفلسطينيين وقف كل من الفريقين مقابل الآخر, وخرج جليات مقاتلا عن الفلسطينيين يطالب بتعالي مبارزا له وكان طوله ثلاثة أمتار, وبالطبع عرضه كان مناسبا لطوله, فكان عبارة عن دبابة بشرية ضخمة, فلا يوجد في كل تاريخ البشر إنسان بلغ طوله ثلاثة أمتار.
وقدم جليات عرضا لم يعتد عليه الشعوب في الحروب, فمن يستطيع أن يهزمني نصير كلنا عبيدا له, وإذا هزمته تصيرون كلكم عبيدا لنا.
لقد كان جليات مغرورا متعاليا, لكنه في عين الله رآه ساقطا أمام فتي صغير وهو داود… فخرج داود وقال عبارته الشهيرة: أنت تأتي إلي بسيف وبرمح وبترس. وأنا آتي إليك باسم رب الجنود (1صم17:45).
فقام وسأله أين اسم رب الجنود؟ اسم رب الجنود كان في قلبه, وهو الذي أعطاه الشجاعة وهذه القوة وعدم الخوف, وفي نفس الوقت هذه العبارة تكشف عن مدي اتضاعه ومدي نظرته أمام هذا الجبار, وبقوة إيمان قال داود لجليات: اليوم يحبسك الرب في يدي, ووضع في مقلاعه حجرا ليقذف به فينطلق وينغرس في جبهته فيفقد توازنه ويسقط علي الأرض, فيسرع داود ويخرج سيف جليات ويقطع به عنق رأسه ويقف عليه, فارتعد الفلسطينيون وهربوا (1صم17).
مما لاشك فيه أن الفلسطينيين كانوا يقولون عن جليات كما قال إشعياء عن الشيطان: كيف سقطت….
ليست حصاة داود الصغيرة هي التي أوقعت بجليات, وإنما الذي أوقعه هو كبرياؤه وعيونه المتعالية ونظرته وتقديره لنفسه أنه عظيم, وكانت النتيجة أنه سقط وانتهت أسطورته.
(2) كيف يتعامل الله مع المتعالي؟
الله يهمه سلامة أولاده من التعالي والكبرياء المهلكة للنفس, لذلك هو بالتجارب والضيقات أو بالآلام والأمراض يحمي نفوسهم حتي لا يضرهم شعور التعالي الذي يحيون فيه.
أمثلة علي ذلك:
1- أيوب الصديق:
سمح الرب أن يتعرض للفقر والمرض وموت أولاده وتحقير أصدقائه له, حتي لا يكون بارا في عيني نفسه (أي32:1). لقد أراد الرب أن ينقيه من هذا التعالي, فسمح له الله بالفقر وبالمرض حتي لا يكون بارا في عيني نفسه. وفي آخر السفر يقول أيوب عن الله: بسمع الأذن قد سمعت عنك والآن رأتك عيني (أي42:5).
إن العيون المتعالية لا تري الله, ولا تري عظمة الله, ولا تقدم مجدا لله.
2- داود النبي:
صاحب المواهب ورجل الحرب, عندما رأي مملكته اتسعت وانتصر في حروب كثيرة, أراد أن يعرف قوته ويفتخر بها, فطلب من رئيس جيشه القيام بإحصاء الشعب, ونسي أن الله وحده هو سبب انتصارهم, ونسي أن الشعب هو شعب الله, فالله وحده الذي يباركهم, ولا يصح أن يسرق مجد الله.
أراد رئيس جيشه أن يثني داود عن رغبته في إحصاء الشعب, ونبه الملك إلي خطورة عد الشعب فهذا يحمل كبرياء, ولكن داود لم يسمع لنصيحته وأصر بشدة علي تنفيذ أمره.
فعادوا إليه وقدموا تقريرا بنتائج الإحصاء إلا أن داود شعر بخطئه وندم علي الأمر, وتوسل للرب أن يغفر له خطأه. وفي صباح اليوم التالي جاءه جاد النبي برسالة من الرب تخيره بين ثلاث عقوبات, عليه أن يختار عقوبة منها:
1- تكون مجاعة في الأرض 7 سنين.
2- يطارده أعداؤه مدة 3 شهور وهو هارب من أمامهم.
3- يضرب الرب الشعب بالوبأ 3 أيام.
وبعد تفكير اختار داود العقوبة الأولي أو الثالثة التي يكون فيها تحت رحمة الله ولا يكون فيها تحت رحمة أعدائه, فنفذ الرب العقوبة الثالثة وهي الوبأ وأهلك بالوبأ 70ألفا من جميع الأسباط, وكانت هذه العقوبة لعلاج مشكلة كبرياء داود (2صم24).
ولكن ماذا عن المتعالي الذي يظل علي تعاليه رغم التجارب والضيقات التي يتعرض لها؟
يقول الكتاب: توضع عينا تشامخ الإنسان وتخفض رفعة الناس ويسمو الرب وحده في ذلك اليوم. فإن لرب الجنود يوما علي كل متعظم وعال وعلي كل مرتفع فيوضع. وعلي كل أرز لبنان العالي المرتفع وعلي كل بلوط باشان (إش2:11-13).
- وعيون المستعلين توضع (إش5:15).
- والأعين المرتفعة تضعها (مز18:27).
مثال.. فرعون ملك مصر الرب أغرقه في البحر وكل جنوده, لأنه لم يتراجع عن تعاليه وكبريائه رغم الضربات العشر التي وقعت عليه.