من أجمل الكلمات التي يمكن للإنسان أن يخاطب بها الله هي نشكرك. وحسب تقليد كنيستنا, فإن هذه العبارة هي المقدمة التعبدية التي نفتتح بها صلواتنا في كل المناسبات, بعد أن نتلو الصلاة الربانية.
وفي اليوم الثالث كان عرس في قانا الجليل, وكانت أم يسوع هناك. ودعي أيضا يسوع وتلاميذه إلي العرس. ولما فرغت الخمر, قالت أم يسوع له: ليس لهم خمر. قال لها يسوع: ما لي ولك يا امرأة؟ لم تأت ساعتي بعد. قالت أمه للخدام: مهما قال لكم فافعلوه. وكانت ستة أجران من حجارة موضوعة هناك, حسب تطهير اليهود, يسع كل واحد مطرين أو ثلاثة. قال لهم يسوع: املأوا الأجران ماء. فملأوها إلي فوق. ثم قال لهم: استقوا الآن وقدموا إلي رئيس المتكإ. فقدموا. فلما ذاق رئيس المتكإ الماء المتحول خمرا, ولم يكن يعلم من أين هي, لكن الخدام الذين كانوا قد استقوا الماء علموا, دعا رئيس المتكإ العريس وقال له: كل إنسان إنما يضع الخمر الجيدة أولا, متي سكروا فحينئذ الدون. أما أنت فقد أبقيت الخمر الجيدة إلي الآن. هذه بداية الآيات فعلها يسوع في قانا الجليل, وأظهر مجده, فآمن به تلاميذه (يو2:1-11).
إن كلمة الشفقة لها مترادفات كثيرة جدا, فهي تعني: الرحمة, الرأفة, التعزية, والأحشاء, وتعني أيضا الإحساس بالآخرين. مثلما حدث مع أمنا العذراء في عرس قانا الجليل, فعندما شعرت بالمأزق الذي يتعرض له أهل العرس, ذهبت إلي السيد المسيح وقالت له: ليس لهم خمر (يو2:3), وكلمة خمر في مدلولتها في معاني الكتاب المقدس تعني الفرح. وكأنها تقول للسيد المسيح: إن هؤلاء المدعوين يعيشون في حالة من الحزن!! وذلك لأن العهد القديم بأكمله, لم يكن فيه فرح الخلاص, وقد استدل علي هذا المعني, من مضمون كلمات السيد المسيح: ما لي ولك يا امرأة؟ لم تأت ساعتي بعد (يو2:4).
فقد كانت إجابة السيد المسيح هنا إجابة خلاصية, وكلمة ساعتي تشير إلي ساعة الصليب, التي هي قمة الرحمة والشفقة لبني البشر, وكأن العذراء مريم تقدم لنا نموذجا مصغرا للإحساس بالآخرين.. والسيد المسيح في إجابته يوضح لنا, أن ساعة الرحمة الشاملة والكاملة هي ساعة الصليب.
وكانت هذه هي أول آية يقوم بها السيد المسيح, ثم بعد ثلاث سنوات من هذا الحدث, صلب السيد المسيح علي الصليب, وقدم الفداء والرحمة لكل البشرية, ولذلك فإن أكثر كلمة نستخدمها في صلواتنا هي ارحمنا يا الله. فعبارة ارحمنا يا الله, نكررها بأشكال كثيرة.. وفي أوقات مختلفة, وأيضا نصلي في مزمور التوبة قائلين: ارحمني يا الله كعظيم رحمتك (مز50قبطي), وعبارة عظيم رحمتك تعني عظيم الشفقة, أي شفقة الله التي لا تنتهي علي البشر.
وإن توقفنا قليلا عند أعمال السيد المسيح, نجد أن جميعها لا تخلو من أفعال الرحمة, إن كان ذلك من خلال المعجزات.. أو الأمثال.. أو المقابلات.. فمعجزات المسيح كانت تتنوع ما بين شفاء المرضي.. أو إقامة الموتي.. أو عرس قانا الجليل, وكل هذا يحمل روح الشفقة والرحمة.
فمثلا في معجزة شفاء مريض بيت حسدا, مر السيد المسيح علي هذا الإنسان الضعيف المطروح عند البركة وقال له: أتريد أن تبرأ؟ وأعتقد أنه عبر الـ38 عاما التي قضاها هذا المريض عند البركة, لم يسأله أحد هذا السؤال!! فقال له المخلع: يا سيد, ليس لي إنسان يلقيني في البركة متي تحرك الماء. بل بينما أنا آت, ينزل قدامي آخر (يو5:7), ولكن المسيح كلي الرأفة قال له: قم. احمل سريرك وامش (يو5:8), وأعطاه الرحمة والشفقة اللذين كان في احتياج إليهما.