لآلئ للحياة من رسائل بولس الرسول
ثم نسألكم أيها الإخوة أن تعرفوا الذين يتعبون بينكم ويدبرونكم في الرب وينذرونكم, وأن تعتبروهم كثيرا جدا في المحبة من أجل عملهم. سالموا بعضكم بعضا. ونطلب إليكم أيها الإخوة: أنذروا الذين بلا ترتيب. شجعوا صغار النفوس, أسندوا الضعفاء. تأنوا علي الجميع. انظروا أن لا يجازي أحد أحدا عن شر بشر, بل كل حين اتبعوا الخير بعضكم لبعض وللجميع. افرحوا كل حين. بلا انقطاع. اشكروا في كل شيء, لأن هذه هي مشيئة الله في المسيح يسوع من جهتكم. لا تطفئوا الروح. لا تحتقروا النبوات. امتحنوا كل شيء. تمسكوا بالحسن. امتنعوا عن كل شبه شر
(الرسالة الأولي إلي تسالونيكي 5:12-22)
افرحوا كل حين
اللؤلؤة رقم 8 افرحوا كل حين (1تس5:16), وهذا الرقم يعتبر رمزا للأبدية, والمعني الضمني لهذه اللؤلؤة هو الفرح كل حين بالمسيح, والكتاب المقدس أو الإنجيل كما نسميه هو أساسا رسالة فرح Good News أي الأخبار السارة.
وكلمة إنجيل معناها بشارة مفرحة أو فرح, والعهد الجديد هو الكتاب الأكثر بهجة بين جميع الكتب, ولو تتبعنا آيات الفرح في العهد الجديد نجدها تمثل أربعة أضعاف آيات الحزن, فالصورة الرئيسية أو النغمة الرئيسية في الكتاب المقدس هي نغمة الفرح, والرجاء, والأمل, والسرور والبهجة, والمسرة.. إلخ. وكل هذه المعاني مذخرة في هذه الوصية افرحوا كل حين.
أما اللؤلؤة رقم 9 و10 فهما صلوا بلا انقطاع واشكروا في كل شيء, وهذه الأفعال الثلاثة الفرح والصلاة والشكر هي ثلاثة أفعال مرتبطة بعضها ببعض, لأنها أفعال مرتبطة بالزمن.
إذا يوجد ارتباط وثيق جدا ما بين هذه الوصايا الثلاث وبين الحياة فيها بصفة دائمة أو كل حين, بمعني أنه لا يصح أن يمر عليك وقت بدون فرح أو صلاة أو شكر, وإن وجد هؤلاء الثلاث نلاحظ أنهم يؤدون بعضهم إلي بعض, بمعني إن صليت ستشكر, وإن فعلت ذلك ستمتلئ فرحا, وإن فرحت ستشكر وتقف للصلاة, وإن شكرت ستصلي وسيؤول ذلك إلي فرح.. وهكذا.
إن أجمل رسالة كتبها القديس بولس الرسول وتكلم فيها عن الفرح هي رسالته إلي أهل فيلبي, فعندما نقرأ هذه الرسالة ننطق فرحا, والأجمل من ذلك أن هذه الرسالة هي التي ورد فيها الآية الجميلة التي تقول: افرحوا في الرب كل حين وأقول أيضا افرحوا (في4:4).
وما يدعو إلي العجب أن القديس بولس الرسول كتب هذه الرسالة وهو في السجن, وهنا المعادلة الصعبة للمسيحية, فبالرغم من السجن, والضيق, والتعب.. إلا أن روح الفرح هي الظاهرة الواضحة في حياة هذا القديس, فكيف يفرح وقدماه مقيدتان بالسلاسل؟
إن فرح بولس الرسول لا يعتمد علي الظروف الخارجية, بل فرحه في علاقته مع الرب.
الفرح المسيحي هو فرح غير مرتبط بالظروف الخارجية, لكنه فرح مرتبط بعمق الإنسان, وعندما نتجول في صفحات الكتاب المقدس نستطيع أن نري طبيعة الفرح بوضوح, ونقول هذا لأن هناك فرحا يعتمد علي الظروف الخارجية.
أسباب فقدان الفرح:
وهنا يأتي سؤال مهم جدا, وهو لماذا نفقد الفرح؟ أو لماذا يفقد الإنسان الفرح في مسيرة حياته؟ أو لماذا لا يجد الإنسان المسيحي أحيانا الفرح والتعزية بالرغم من وجود كل شيء لديه (أسرة مباركة, وبيتا مستقرا, وعملا جيدا, ودخلا مناسبا, وأصحابا محبين, وصحة جيدة, وفكرا ناضجا..) وكل الإمكانيات التي تجعله فرحا ومسرورا, ورغم كل هذا لا يكون سعيدا! وكأن هناك حاجزا يمنعه من التمتع والفرح بهذا الخير.
وبالطبع نحن هنا نتكلم علي المستوي الروحي وليس علي المستوي النفسي أو الأمراض النفسية.
لذا يوجد ثلاثة أسباب رئيسية من الناحية الروحية التي تفقدنا حياة الفرح وهي..
1- الخطية:
إن أول سبب يجعل الإنسان دائما فاقدا لحياة الفرح في حياته هو وجود الخطية, وقد تكون هذه الخطية خطية واحدة أو عدة خطايا في صور مختلفة, مثل خطايا الفكر أو القول أو الفعل أو… إلخ.
لذلك فإن السبب الرئيسي في فقدان الفرح هو وجود الخطية بما تجلبه علي الإنسان من حزن وهم, كما أنها تقيد النفس بالعادات الضارة والسلوك غير السليم, كالذين يجدون لذتهم في جمع الأموال بطرق غير شريفة أو في قضاء الوقت في اللهو والعبث والخلاعة.
لذلك تعلمنا الكنيسة أن يكون لنا أوقات كثيرة هادئة, لكي ما نراجع أنفسنا, لئلا تكون هناك خطية مختبئة في ركن من أركان القلب ونحن لا ندري.
فابحث في حياتك وذاكرتك القديمة, وإن وجدت خطية اطردها واعترف بها أمام مسيحك, وأما أب اعترافك, وتعهد أمام الله بطرد هذه الخطية من داخلك إن كانت قولا أو فعلا أو.. إلخ.
2- غياب روح الرضا (التذمر):
إن الطموح المادي وما يترتب عليه من صراعات سواء بين أشخاص أو دول, وتفضيل النفس علي الغير مما تقود لمشاكل اجتماعية واقتصادية وسياسية.
هذا النوع من الطموح يجعل الإنسان دائما في حالة تذمر وعدم رضا عن كل شيء, ووجود حالة التذمر في قلب الإنسان تفقده فرحه وتجعله لا يري النقاط الحلوة والمضيئة في حياته.
وهناك قصة عن شركة وجد مديرها أن نسبة المبيعات لمنتجات الشركة أصبحت ضعيفة جدا, فقرر تعيين مدير آخر للمبيعات, فجمع هذا المدير الجديد جميع العاملين بالشركة في اجتماع, ثم قام بوضع سبورة كبيرة أمامهم ورسم بالقلم في طرف هذه السبورة من أسفل دائرة سوداء قطرها 1سم, ثم سأل العاملين بالشركة: ماذا ترون علي السبورة؟
فأجاب أغلبهم: نري نقطة سوداء!
فقال لهم: هذه هي المشكلة, لقد تركتم كل هذه المساحة البيضاء ولم تروا غير النقطة السوداء فقط, رغم أن مساحتها صغيرة!
وهكذا نحن أيضا في معاملاتنا البشرية لا نري في الآخر إلا الضعف الذي فيه رغم وجود كثير من الأمور المضيئة في حياته, ولهذا تضطرب علاقاتنا مع الآخرين.
من الأمثال المشهورة في هذا المجال أخطاء البشر ننقشها علي النحاس, أما فضائلهم فننقشها علي الماء, بمعني أن أخطاء الآخرين نتذكرها دائما, أما فضائلهم فننساها سريعا!
3- الابتعاد عن مصادر الفرح:
من أسباب فقدان روح الفرح أيضا البعد عن المصادر التي تجلب للإنسان الفرح, مثل البعد عن أسرار الكنيسة, أو البعد عن قراءة الكتاب المقدس, وعن وسائط النعمة المعزية للنفس.
الإنسان الروحي في أحزانه يلجأ إلي الكنيسة وللصلاة طلبا للعزاء, أما الإنسان الجسداني في أحزانه قد يلجأ للإدمان والخمور والتدخين, ويظن معها أن سيجد عزاءه وفرحه.
فالشخص الذي لا يقرأ الكتاب كيف يمكنه أن يفرح؟ وهكذا الإنسان البعيد عن الصلاة, والاعتراف وكل الممارسات الروحية, مثل الأصوام وفترات الخلوة والألحان والتسابيح, كيف يستطيع أن يفرح؟
مثال.. الابن الضال:
الابن الضال اعتقد أن فرحه في البعد عن بيت أبيه وانساق لطريق الخطية, وكانت نهايته الشقاء والتعاسة والجوع, ولأنه ابتعد عن أبيه مصدر فرحه, ففرحه هذا لم يدم طويلا, ولكن بمجرد أن عاد إلي أبيه عاد إليه الفرح.