ثم نسألكم أيها الإخوة أن تعرفوا الذين يتعبون بينكم ويدبرونكم في الرب وينذرونكم, وأن تعتبروهم كثيرا جدا في المحبة من أجل عملهم. سالموا بعضكم بعضا. ونطلب إليكم أيها الإخوة: أنذروا الذين بلا ترتيب. شجعوا صغار النفوس, أسندوا الضعفاء. تأنوا علي الجميع. انظروا أن لا يجازي أحد أحدا عن شر بشر, بل كل حين اتبعوا الخير بعضكم لبعض وللجميع. افرحوا كل حين. بلا انقطاع. اشكروا في كل شيء, لأن هذه هي مشيئة الله في المسيح يسوع من جهتكم. لا تطفئوا الروح. لا تحتقروا النبوات. امتحنوا كل شيء. تمسكوا بالحسن. امتنعوا عن كل شبه شر
(الرسالة الأولي إلي تسالونيكي 5:12-22)
اشكروا في كل شيء
اشكروا في كل شيء (1تس5:18).. والشكر من الموضوعات المرتبطة بحياة الإنسان ووجوده, وكأن الإنسان غير الشاكر هو إنسان غير موجود, بمعني أنه لا يشعر بإنسانيته.
تأملنا بالعددين السابقين في السؤال:
لماذا نشكر الله؟
اشكر الله..
علي كونك إنسانا
إنك جئت هذا الزمان
إنك تعيش في هذا المكان
إنك تعيش في هذا الزمان
وهذا العدد نتأمل في السؤال:
لماذا لا نشكر الله؟
هنا نسأل لماذا يوجد أشخاص لا يستطيعون أن يشكروا الله؟
هناك ثلاث نقاط لإجابة هذا السؤال وهم:
1- لأن الإنسان ينسي نعم الله عليه.
2- بسبب تذمر الإنسان.
3- بسبب المقارنة بالآخرين.
وسنتحدث عن كل نقطة بالتفصيل:
1- نسيان نعم الله:
هناك بعض الأشخاص قد ينسون نعم الله عليهم, وحينما ننسي أعمال الله معنا, تبرد مجبتنا له ويسكن عدم الشكر في قلوبنا..
مثال.. شعب بني إسرائيل:
يذكر لنا الكتاب أنه عندما أرسل موسي النبي جواسيس ليتجسسوا أرض الميعاد (كنعان) وذلك بإرسال رجل واحد من كل سبط من بني إسرائيل.
اثنان فقط من الجواسيس, وهما يشوع بن نون, وكالب بن يفنة شجعا الشعب بأن الأرض جيدة وأنها تفيض لبنا وعسلا.
فبدلا من أن يشكر الشعب الله أنه سيهبهم هذه الأرض, نسوا أعماله معهم وعجائبه. نسوا أنه أخرجهم من مصر بيد عظيمة, وأنه أوجد لهم ماء في الصحراء وأرسل لهم المن والسلوي.
نسوا أنه يقودهم بعامود السحاب ويرشدهم من خلال أحاديث مع موسي.. نسوا كل أعمال الله معهم, وقالوا: ليتنا متنا في أرض مصر.. أليس خيرا لنا أن نرجع إلي مصر؟ (عدد14:2-3).
أحيانا ينسي بعض الأشخاص أن الله ستر عليهم ودبر حياتهم, ووقف بجانبهم كثيرا جدا في كثير من مواقف حياتهم, مثلما ينسي طالب الثانوية العامة أن الله وقف بجانبه في الصف الأول والثاني الثانوي, فيخاف من أداء الامتحان في السنة الثالثة.
فلماذا الخوف؟ فتذكر دائما عمل الله في حياتك, وكما يعلمنا داود النبي: أخبر باسمك إخوتي (مز22:22).
فهناك شخص عندما تجلس معه, تشعر أن يد الله وحضوره يكون في هذه الجلسة, فحضور هذا الشخص يكون حضورا مفرحا وكله رجاء وأمل, فلا تنس نعم الله عليك أبدا.
الذي يتذكر أعمال الله معه يقول مع داود النبي: باركي يا نفسي الرب ولا تنسي كل حسناته (مز103:2).
اذكر أعمال الله السابقة معك, فتشكر الله ويزداد إيمانك.
2- تذمر الإنسان:
الإنسان المتذمر إنسان لا يعرف الشكر, فهو دائما ما يكون متذمرا علي كل شيء, فلا شيء يسبب له الرضا فهو يتذمر علي وضعه, وعلي مكانه, وعلي زمانه, وعلي بيته, وعلي أسرته, وعلي كل شيء حوله.
فإذا أخذ يريد أكثر, كما أنه يحب الأخذ أكثر من العطاء.
فمثلا نجد بعض الأشخاص المتقدمين في العمر لا يرضون علي الجيل الجديد, ولا علي الزمن الذي يعيشون فيه حاليا, ويرون أن الأيام الماضية هي الأفضل, ولا يدركون أن الأمر الطبيعي أن الزمن يتغير ولابد من حدوث كثير من التغيرات في الحياة.
فالإنسان المتذمر لا يعرف الرضا, ومن أجمل الصفات التي يجب أن يتحلي بها أي إنسان هي صفة الرضا, فالإنسان الراضي دائما يسكب الله نعمه عليه, ولكن للأسف هناك أشخاص يكونون دائمي الشكوي, ويشكون جميع من هم حولهم, لذلك أعلم أن كثير الشكوي هو قليل الشبع.
إن التذمر يدمر أية نعمة أعطاها لنا الله, ويعلمنا الكتاب المقدس قائلا: وأما التقوي مع القناعة فهي تجارة عظيمة, لأننا لم ندخل العالم بشيء, وواضح أننا لا نقدر أن نخرج منه بشيء, فإن كان لنا قوت وكسوة فلنكتف بهما (1تي6:6-8).
مثال.. قورح وداثان وأبيرام:
طالب قورح وداثان وأبيرام من موسي وهارون خدمة الكهنوت, فحاول موسي توجيه النصيحة لهم, فقال لقورح وأتباعه من سبط لاوي: ألم يختاركم الله دون غيركم من الأسباط وميزكم وأعطاكم كرامة خدمة بيته ومحتوياته دون غيركم؟ وهي كرامة عالية جدا, ومع هذا كله لم تكتفوا بل تجاسرتم وطلبتم خدمة الكهنوت التي خصصها الله لهارون وبنيه وحدهم, فما تصنعوه الآن هو تعد للترتيب الإلهي.
ولم يرضخوا لنصيحة موسي ويشكروا الله علي ما نالوه, بل تكبروا عليه وتكلموا معه دون لياقة وأدب, وكانت النتيجة أن الأرض انشقت وابتلعت داثان وأبيرام وكل من لهم, أما قورح ومن معه الـ250 رجلا المجتمعون بمجامرهم أمام خيمة الاجتماع خرجت نار من عند الرب وأكلتهم (عدد16).
3- المقارنة بالآخرين:
إن السبب الثالث لعدم الشكر هو المقارنة بالآخرين ودائما ما تكون المقارنة ظالمة, وهذا خطأ شائع في تربية أولادنا, فأحيانا يقارن الأب أو الأم درجات ابنهم في الامتحانات ببعض أصدقائهم, فإن كان الابن قد حصل علي درجات أقل من زميله ينال من أبيه كثيرا من التوبيخ, حتي وإن كانت نتيجته مرضية, في حين أن الأب إذا استخدم أسلوب التشجيع فإن هذا سيؤدي إلي نتائج أفضل في الامتحانات التالية.
وإن حاولت أن تتخيل أن جميع أصابع اليد الواحدة متشابهة حجما ونوعا, فإنك لن تستطيع أن تعمل بيدك أي عمل, فالله قد نوع شكل وحجم أصابع اليد الواحدة, لكي ما يتألفوا ويتناغموا ويتمكنوا من عمل كل شيء.
وهذا هو جمال وروعة الاختلاف والتنوع الذي أراده الله للإنسان.
مثال.. اختيار ملك لبني إسرائيل:
صموئيل النبي كان آخر قاض في عصر القضاة, وقد حدث في أيامه تذمر من الشعب علي الله.
فقد أرادوا أن يكون لهم ملك مثل سائر الشعوب الأخري فالآن اجعل لنا ملكا يقضي لنا كسائر الشعوب (1صم8:5), فقام صموئيل بنصيحة الشعب, وحاول أن يوضح لهم أن الله هو ملكهم.
ولكن نصائحه ذهبت هباء, فذهب إلي الله وقص عليه رغبة الشعب في أن يكون لهم ملك, فأجاب الرب بأن عليه أن يستجيب لطلبة الشعب, لأنهم لم يرفضوه هو, بل رفضوا الله في أن يملك عليهم اسمع لصوت الشعب في كل يقولونه لك لأنهم لم يرفضوك أنت بل إياي رفضوا حتي لا أملك عليهم (1صم8:7).
لم يشكر بني إسرائيل صموئيل علي خدمته الطويلة لهم, مما جعل صموئيل يشعر بحزن, ولم يجد إلا الصلاة مخرجا لآلامه النفسية, فطيب الرب خاطره.
وبالفعل تم اختيار شاول ليكون أول ملك علي شعب بني إسرائيل, وقد ارتكب كثيرا من الأخطاء, واستمر في الملك أربعين عاما, ثم ملك بعده داود النبي الذي استمر أيضا في الملك مدة أربعين عاما, وكان له بعض الأخطاء, ثم ملك بعده ابنه سليمان الحكيم, واستمر أيضا في الحكم أربعين عاما, وسقط هو أيضا في بعض الخطايا, وانقسمت من بعده المملكة إلي مملكتين يهوذا وإسرائيل.
وبني إسرائيل بدلا من أن يشكروا الله علي أعماله معهم, قارنوا أنفسهم بالممالك الأخري ونسوا أن الله ملكهم وهذه أعظم نعمة.
اعرف أن لكل واحد موهبته, ولكل واحد قدراته, فاشكر الله علي ذلك, لأن الله يعطي كل واحد حسب احتياجه, فلا تقارن نفسك بالآخرين, بل قارن نفسك بنفسك, وإلا ستجد نفسك لا تستطيع أن تشكر الله.
هذه الأسباب الثلاثة هي التي تمنع الإنسان من الشكر: النسيان والتذمر والمقارنة. ومن التقاليد القبطية الجميلة أننا عندما نشكر نقبل يدينا من الوجه والظهر, بمعني أننا نشكر الله علي الحلو.. وأيضا علي المر.. علي كل شيء يعطيه لنا الله, فالوصية تقول: اشكروا في كل شيء, فليعطنا الله أن نعيش دائما في حياة الشكر.