بعد القرارات الأخيرة لمجلس الوزراء وتخفيض عدد ساعات الحظر, وعودة فتح المحال التجارية يومي الجمعة والسبت, وغيرها من القيود التي تم تخفيفها, تذكرت مصطلح مناعة القطيع أوالمناعة بالعدوي, الذي ظهر في منتصف مارس الماضي, تزامنا مع دعوة رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون إلي أتباع هذه الاستراتيجية في مواجهة فيروس كورونا, ثم تذكرت ما يجري يوميا في شوارع المحروسة ووسائل مواصلاتها, من مخالفات جسيمة للتدابير الوقائية من كورونا, فوجدت أننا نمارس فعليا مناعة القطيع, نتواجد في الشوارع بلا كمامات, ولا مسافات آمنة, فضلا عن التكدس في المواصلات العامة, التكدس علي ماكينات الصراف الآلي,التكدس في السوبر ماركت, وفي كل مكان, فماذا ينقصنا هل هي ساعات الحظر الليلية التي يتحايل عليها البعض أيضا بالمبيت عند الأصدقاء والمعارف؟ وبرغم القلة الحائرة-التي أنتمي إليها- بين الالتزام بالتدابير وبين الاستسلام لمناعة القطيع إلا أن الغالبية العظمي تمارسها, بشكل عفوي وتواكلي حتي قبل تخفيف التدابير.
تستند مناعة القطيع إلي ممارسة الحياة بشكل طبيعي بحيث يصاب معظم أفراد المجتمع بالفيروس وبالتالي تتعرف أجهزتهم المناعية عليه,وتحاربه إذا حاول مهاجمتها مجددا- هذا طبقا لكل التعريفات الطبية المنشورة- لكن هل أثبتت مناعة القطيع جدوي في دول كبري مثل السويد وبريطانيا, أبدا لقد انهارت وسط الانتشار الواسع للفيروس الذي أصاب جونسون نفسه, مع تحذيرات متزايدة صادرة عن أطباء وخبراء, من تطبيق المناعة بالعدوي. وتراجعت الدول- التي نادت بها- عن تطبيقها وامتثل الجميع لتحذيرات منظمة الصحة العالمية في ظل اجتياح كورونا للعالم فما بالنا بتطبيقها في مصر والأزمة أنه تطبيق طوعي.
الحكومة خففت قدر استطاعتها لكن يبدو أن الناس لن تتعظ إلا بمزيد من الإصابات التي نوه عنها الدكتور مصطفي مدبولي رئيس مجلس الوزراء في خطابه الأخير يوم الخميس الماضي, لافتا النظر إلي أن الحالات تتزايد! والتساؤل الذي يطرح نفسه, إذا كانت الحالات تتزايد هل يوجب تزايدها تخفيض ساعات الحظر أم زيادتها؟ وهو ما يعيدنا لمناعة القطيع المتبعة تلقائيا عند الكثير من بسطاء المصريين إذ لم تكن مصر فقط هي التي خففت من القيود بل بعض الدول الأخري فما الجديد الذي أجبر الحكومات علي تخفيف التدابير الاحترازية؟
إنه العمل وأكل العيش فحينما تتزايد البطالة وتتراجع الدخول وينتشر الحوج,قد ترتفع معدلات الجريمة السرقة والسطو وغيرها فإما الموت مرضا أو الموت جوعا, والموت هو الموت في كل الأحوال, هكذا يفكر البعض بعدما أثرت أزمة كورونا تأثيرا مدمرا علي العمال وأصحاب العمل في جميع القطاعات الاجتماعية والاقتصادية ففي تقرير لمنظمة العمل الدولية توصلت المنظمة إلي أن البلدان النامية هي الأشد تضررا والفقر في ازدياد ويكشف التقرير عن خسائر فادحة في جميع القطاعات.علي سبيل المثال, يعد قطاع السفر والسياحة الأكثر تضررا إذ كان من المتوقع أن يشكل 11.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي قبل انتشار كوفيد-19, تأثرت أيضا العمالة في قطاع الشحن الذي يضم مليوني بحار, بشكل كبير. كما تأثر قطاع الرحلات البحرية, الذي يضم 250.000 بحار, بشكل خاص. وتعاني صناعة السيارات أيضا من توقف مفاجئ وواسع النطاق في النشاط الاقتصادي وبعد أن طلب من العمال البقاء في المنزل, توقفت سلاسل التوريد وأغلقت المصانع وبسبب شدة القيود علي السفر والركود العالمي المتوقع, يقدر اتحاد النقل الجوي الدولي(IATA) أن عائدات الركاب في الصناعة يمكن أن تنخفض بمقدار 252مليار دولار أمريكي أقل بنسبة 44% عن رقم 2019.
وهكذا فرض الاقتصاد شروطه علي صحة الجميع لكن السؤال الملح الآن ماذا لو تزايدت الأعداد في ضوء ما يجري من تخفيف حكومي للتدابير واستهتار شعبوي بالوقاية وعدم التزام بمعايير التباعد الاجتماعي المنصوص عليها عالميا السباق بين الاقتصاد والصحة شديد الشراسة, والجوع مرعب, والموت حقيقة مؤكدة فقط غير معلومة الموعد.. فهل يجد القطيع الحائر بين الاستسلام لثقافة مناعة القطيع الشعبوية, وبين طلب الخائفين احظرونا إجابة علي السؤال السابق؟
حنان فكري
[email protected]