أنطون سيدهم ومشوار وطني
أنطون سيدهم.. والقضيا الاقتصادية
ناقشنا في العدد الماضي أسباب الأزمة الاقتصادية وجذورها.. أما أعراضها فبعضها اجتماعي يأخذ بتلابيب أفراد الشعب, وهو الإنتاج, وعدم كفايته, وارتفاع أسعار حاجيات المعيشة.. أما الأعراض الأخري فهي اقتصادية, لا يلم بها إلا الفنيون والخبراءو وهي عجز الميزان التجاري وميزان المدفوعات, وعجز الموازنة العامة للدولة, زيادة الديون الخارجية والداخلية, زيادة التضخم, والارتفاع المستمر في أسعار العملات الأجنبية.
بالرغم من الزيادة الكبيرة في السكان, فبدلا من أن يزداد الإنتاج الزراعي ليغطي احتياجات زيادة السكان أخذ في التناقص, لقد انخفض إنتاج القمح من 2.071 مليون طن في سنة 82/1983, إلي 1.976 مليون طن في سنة 1986/..85 وهكذا في الكثير من المحصولات الزراعية, فكثيرا ما تختفي من الأسواق بعض الأصناف الضرورية كالبصل والثوم, وبالتالي ترتفع أسعارها ارتفاعا كبيرا.
أما الإنتاج الصناعي, فقد تقاعس وتراجع عن أن يواكب التكنولوجيا الحديثة, أو أن يؤدي دوره في تغطية احتياجات المواطنين, والزيادة البشعة في السكان, فقد تأخر إنتاجنا الصناعي من حيث الجودة والكمية, حتي أصبحنا مستوردين للأقمشة والملابس القطنية من الصين الشعبية وغيرها, ونحن الذين كنا روادا في إنتاجها, بل لقد اختفت من المحال الكبري في بلاد أوروبا لافتة: مصنوع من القطن المصري, التي كانت تفخر بها هذه المحال.. وهكذا بالنسبة للكثير من المصنوعات.
وهكذا ازداد العبء علي الميزان التجاري لزيادة الاعتماد علي استيراد المواد الغذائية والمواد المصنعة من الخارج لسد احتياجات الجماهير منها.. وأخذ العجز في الميزان التجاري, أي زيادة الواردات عن الصادرات, في زيادة مستمرة للزيادة الكبيرة في المواليد, مع عدم ملاحقة الانتاج الزراعي والصناعي لها, وقد أدي هذا العجز في الميزان التجاري, مضافا إليه انخفاض حصيلة البترول, لهبوط أسعاره عالميا, وكذا انخفاض إيرادات قناة السويس, كما أن الأزمة الخانقة التي أحاقت بالدول العربية المنتجة للبترول, لتدهور أسعار البترول, قد أثرت بالنقصان الشديد في تحويلات المصريين العاملين في تلك البلاد, كل هذا جعل العجز في ميزان المدفوعات يزداد سنة بعد أخري, أما العجز المستمر في الموازنة العامة للدولة, فقد أخذ بالتالي يتضخم بشكل خطير.
إن الديون الداخلية والخارجية لتعتبر النتيجة الطبيعية للأعراض السابقة, وكذا لاضطرار الحكومة لصرف مبالغ طائلة لتجديد وإصلاح المرافق التي طال عليها الأمد بدون رعاية في العهود الماضية, حتي أصبحت في حالة يرثي لها, وهي الصرف الصحي, ومياه الشرب, والتليفونات, ووسائل النقل, والمواصلات المختلفة وغيرها, وقد أصبحت هذه الديون من الضخامة بمكان حتي بلغت فوائدها وأقساطها مبالغ لا يمكن أن تحتملها موازنة الدولة المتعبة بالأعباء المختلفة, وهذا ما جعل الحكومة المصرية تلجأ إلي صندوق النقد الدولي للاتفاق معه حتي يمكنها الذهاب إلي نادي باريس لجدولة ديونها بعد الحصول علي فترة سماح تتراوح بين ثلاث وخمس سنوات.
بلغت ديون مصر الخارجية في آخر يونيو سنة 1986 حوالي 30 مليار دولار, كما بلغت ديونها الداخلية في نفس التاريخ 36 مليار جنيه, وقد بلغت أعباء خدمة الدين الخارجي 3 مليارات دولار, وخدمة الدين الداخلي 1.9 مليار جنيه.
أن النتيجة الحتمية لهذه الأعراض السابقة هي التضخم المتزايد, والذي أدي إلي خلل كبير في أسعار العملات الأجنبية والارتفاع المستمر في أسعار حاجيات المعيشة والخدمات, مع بقاء دخول الطبقات الكادحة مجمدة تقريبا, مما كان له أسوأ الأثر علي مستوي معيشة الطبقات المتوسطة والفقيرة, التي أصبحت في حالة إحباط كامل, لعدم تمكنها من تغطية أثمان حاجياتها الضرورية.
لقد أصبحت حالة الاقتصاد المصري في موقف لا يحسد عليه, تستلزم عملا سريعا وحاسما للخروج بالبلاد من هذا الخلل الذي أصابها, وهو ما سنطرقه في الأعداد القادمة بإذن الله.