أنطون سيدهم.. والقضايا الدينية
نشر بتاريخ 1978/4/9
أثار الحكم الذي نشرته صحيفة الجمهورية يوم الخميس الماضي بعنوان: مبدأ هام لمحكمة الاستئناف يبيح للمسيحي حق الزواج بأربع.. قلقا في نفوس المسيحيين الذين يحرم دينهم الزواج بأكثر من واحدة, فغدوا في حيرة من أمرهم بين ما قضت به المحاكم. مخالفا لتعاليم الدين.. وبين ما تقضي به النواميس الإلهية من الالتزام بتلك التعاليم.. إذ أن الزواج في الدين المسيحي هو أحد أسرار الكنيسة السبعة الواجبة التقديس والإجلال.
غدا المسيحيون في مصر في حيرة وبلبلة, خاصة وقد جاء هذا الحكم بعد حملة عارمة للدعوة إلي تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية, وهي تبيح الزواج بأربع, إن هذه الإباحة مقصورة علي أتباعها, فكيف بها تفرض علي غير الذين يدينون بها؟… بل تفرض علي الذين يقضي دينهم بتحريمها..؟!
والخطورة في الموضوع, أن ما ذهبت إليه محكمة الاستئناف بصحة الزواج الثاني, يشكل سابقة لها خطورتها, إذ يتخذ مبدأ قد تستند إليه محاكم أخري في قضايا مماثلة, وقد يمتد الاستناد والاستشهاد إلي ما هو أبعد, فيصدر ما يتعارض مع تعاليم الدين المسيحي, وينقض أسراره المقدسة.. ولا أدل علي صدق هذا التوجس من متابعة التسلسل الذي انتهي إلي هذه النتيجة المؤسفة, بل المفجعة, فقد كان هناك قضاء شخصي خاص بالمسيحيين, وكانت لهم مجالسهم الملية, بل كان لهم ممثلوهم في المجالس الحسبية يقضون في الميراث والوصية بما ينص عليه دينهم.. وظل الحال كذلك إلي أن هبت من نحو أربعين عاما دعوة تنادي بتوحيد قوانين المواريث والوصايا وجعلها قانونا واحدا يطبق علي جميع المواطنين علي اختلاف عقائدهم, وصدر القانون الذي نص علي تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية في المواريث والوصايا.
ومن نحو عشرين عاما, انطلقت صيحة أخري, بنزع القضاء الشخصي من المجالس الملية وتخصيص دوائر في المحاكم لنظر قضايا الأحوال الشخصية.. وحاولوا في ذلك الحين تخفيف وقع هذا القانون بأن دوائر الأحوال الشخصية ستضم قضاة مسيحيين يلتزمون بتعاليم الدين المسيحي.. فلا تصدر أحكاما تخالف تلك التعاليم.. وصدر قانون الأحوال الشخصية الذي عارضه المسيحيون.. وصدق ما توجسوه, فقد أصبحت معظم دوائر الأحوال الشخصية لا تضم قضاة مسيحيين, وها هي بعض أحكامها تصدر مخالفة للأركان الرئيسية للدين المسيحي.
قد تتذرع تلك الأحكام بأن هناك اختلافا في العقيدة, ولكن كل العقائد المسيحية تتفق علي عدم إباحة الزواج بأكثر من واحدة.
إننا لا ندعو إلي مجرد مراجعة لحكم صدر.. فإن الأمر أخطر من ذلك بكثير, إذ يجب مراجعة وتعديل قانون الأحوال الشخصية في كل ما يمس العقيدة المسيحية والأخذ بشريعة العقد.. كما يجب إلغاء الفرامانات والقوانين التي تمس حرية الفرد في عقيدته أو بناء أماكن العبادة والتي تعتبر رجعة إلي العصور المظلمة, إذ تمس كل ما أعطاه قانون حقوق الإنسان للفرد.. بل هي إحدي صور العنصرية المقيتة.
إننا نرجو من صاحب الغبطة الأنبا شنودة الثالث بابا وبطريرك الكرازة المرقسية, والمجمع المقدس, والمجلس الملي العام, والمجالس الملية الفرعية, أن يبدوا رأيهم صريحا في هذه المخالفات الجسيمة لنواميس وأحكام الدين..