أنطون سيدهم .. ومشوار وطني
أنطون سيدهم .. والسياسة الخارجية
نشر بتاريخ:
1977/12/11
** الملايين التي خرجت بالأمس كالبحار المتلاطمة تهتف من الأعماق للرئيس أنور السادات إنما تعبر عن تقديرها وعرفانها بالجميل للرجل الذي أعاد لمصر اسمها وعظمتها, وحقق للشعب حريته وكرامته, وأكد للإنسان المصري إنسانيته ووجوده وثقته بنفسه.. ثم كان قراره الشجاع من أجل السلام قمة إنجازاته ومبادراته.. وبه شد أنظار العالم أجمع, وأحدث من ردود الفعل ما لم يسبق له مثيل في مجال الأحداث العالمية المصيرية.
* إنه سجل حافل بعظيم الإنجازات منذ تولي أمانة الحكم بعد فترة ساد فيها الكثير من عوامل القهر والضغط والتمزق والإحساس بالهوان بعد هزيمة مريرة قاسية أذلت منا الأعناق.
* ولكن الرجل العظيم لم يتخل عنه إيمانه أبدا.. ولم يفقد ثقته في قدرة مصر علي النهوض وعبور الذل والهوان.. ومضي بكل ما في قلبه من إيمان, وبكل ما في إرادته الصلبة من معاني الإصرار يحارب اليأس.. ويعيد الثقة.
وعلي طريق البناء.. أقدم بكل جسارة علي عديد من المعارك مستهدفا وقبل كل شيء بناء الإنسان المصري كرامته وحريته وعزته وثقته بنفسه ليعبر النكسة والتخلف والضياع إلي المكانة الجديرة بمصر والمصريين.
* إن إحساس الرئيس أنور السادات بالمسئولية أمام الله, وأمام ضميره وواجبه القومي بالنسبة له عقيدة تجعله يتخذ أخطر القرارات ويخوض أعنف المعارك ويقتحم الأهوال.. وهو في كل مواقفه لا يتزعزع منه إيمان, ولا تهتز له ثقة أو يقين من أن الله يبارك خطوات الشرفاء بالصادقين العاملين من أجل الحق والحقيقة والسرعة والخير والعدل للإنسان.
* لقد جعل أنور السادات منذ اللحظة الأولي الحرية أساسا للحكم, وأعطي للقانون قوته ومهابته, وللقضاء سياجه وكرامته, وبدأ يعيد الثقة المفقودة في اقتصاد مصر مشجعا رؤوس الأموال الأجنبية والخبرات العالمية للاستثمار في مصر, وبكل الشجاعة والإقدام وبعد الإعداد المضني اتخذ قرار الحرب في أكتوبر 1973 وحقق نصرا كان في تقدير كل الحسابات ضربا من المستحيلات.. وبهذا النصر الذي دفعت ثمنه مصر من قوتها ودماء أبنائها علت قامات كل العرب.. وارتفعت أرصدتهم إلي أرقام خرافية.. وكتبت صفحات جديدة في التاريخ محت صفحات الهزائم المتتالية التي كانت طابع كل حرب يدخلها العرب ويخرجون منها بمزيد من الانكسار والهوان.
* وعلي طريق الكفاح لم تتوقف مسيرة أنور السادات النضالية.. واستشعارا بمسئوليته إزاء شعبه الذي أولاه كل الثقة والحب والتأييد مضي يتخذ قرار السلام وهو أخطر من قرار الحرب.. وكان يعلم علم اليقين وهو يتخذ القرار أنه يقتحم الأهوال, وسيتعرض لأشد الخناجر والطعنات.. وأنه سيمشي علي الأشواك.
* ولكن الزعيم الشجاع المؤمن بربه وشعبه لا يتردد أبدا.. وتقدم في جسارة وعظمة يمد يدا قوية بالسلام محطما في لحظة تاريخية الشعارات الكاذبة المضللة المنافقة التي طالما أدمنها الحكام التقليديون للدول العربية بها يتاجرون ويتشدقون لتظل كراسي الحكم من تحتهم مستقرة بالإرهاب والسحل!!
* لقد حققت حرب أكتوبر هدفها وهو قدرتنا علي الحرب.. والنصر.. ولكنها لم تأت بالسلام.. فمازال شعبنا يعيش حياة الحرب من توتر وضيق وسوء خدمات.. وإهدار الدخل القومي من أجل ترقب الاشتعال والصدام من جديد في حروب لا تنتهي لا تخلف غير الدمار والخراب والموت حيث لا غالب ولا مغلوب..
* وهنا كان لابد للزعيم أن يسعي إلي السلام الذي عجزت عن تحقيقه الحرب.. كان لابد من كسر حاجز الخوف وعدم الثقة لحقن الدماء.. وإنقاذ الأرواح وإحياء الحياة.
إن السعي إلي السلام وفي ظروف المنطقة العربية التي عاشت أجيالا تقتات علي الشعارات المنافقة كان بلاشك يحتاج إلي عمل جريء أسطوري لا يمكن لحاكم عادي أن يجسر علي القيام به أو مجرد التفكير فيه!!
حقا كان لا يمكن لغير أنور السادات أن يقوم بهذا العمل الذي مازال حديث العالم حتي هذه اللحظة.. ذلك لأن حاكم لا يعتمد علي الحديد والنار في علاقته بشعبه.. حاكم واثق من نفسه, مؤمن بربه وبتأييد شعبه, عميق في تفكيره, عملي في خطواته, عالم بمجريات الأمور, مقدر لكل الحسابات والموازين التي تجري علي أساسها السياسات والاستراتيجيات, وفوق كل ذلك.. لماذا لا نحارب من أجل السلام وهو أمنية كل إنسان.. وطبيعة الأشياء؟
* وذهب أنور السادات إلي القدس من مركز القوة ووقف في الكنيست الإسرائيلي يصارحهم بالأسس التي يجب أن يقوم عليها صلح عادل دائم للمنطقة بأكملها, كما قام بمناقشة زعماء إسرائيل ومختلف رجال أحزابها بكل الوضوح والمنطق وصوت العقل وهاتف الضمير في إمكانيات قيام السلام علي أساس العدل.
* لقد وضع الرئيس أنور السادات إسرائيل أمام الخيار الصعب.. وعليها أن تقرر إذا كانت جادة حقا في طلب السلام.. عليها أن تتخلي عن أحلام السيطرة والتوسع وفكرة الحرب. عليها أن تقر بحقوق الشعب الفلسطيني لتعيش آمنة بين العرب, وليمارس شعبها الحياة بدون أهوال الحروب.. وأهوال ترقب حدوث الحروب.. اليد دائما علي الزناد القلوب واجفة, والنفوس هلعة.. الأطفال في انتظار اليتم.. والزوجات في انتظار الترمل.. والأمهات يثكلن بفقد الأبناء.
* إن ما حققته زيارة السلام بالنسبة لمصر والعرب المخلصين لقضية السلام, ما كان يمكن أن يتحقق لو صرف العرب آلاف الملايين من الجنيهات.. لقد تجاوبت جميع دول العالم وشعوبها مع هذه المبادرة الخلاقة, وظهرت مصر عملاقة شامخة مبهرة.
* أما الصورة القبيحة التي لن تنال بحال من صورة مصر الرائعة فهي تلك الأصوات النكراء الجاحدة التي قامت تهاجم العمل الكبير الذي قام به السادات.
إنها الوجه غير الحضاري لبعض الزعامات التي لم تصل بطبيعة تكوينها ووجودها إلي مستوي الحدث العظيم الذي قام به السادات.
وكان هذا المؤتمر الذي خرجوا منه بقرارات أقل ما توصف به أنها غير مخلصة ومخربة لموقف عربي واحد الأمة العربية في أشد الحاجة إليه في هذه المرحلة المصيرية.
** ويا قوم.. عودا إلي الرشد وتأملوا ما قدمه السادات علي مرأي ومسمع من العالم.. لقد طالب بأسس للسلام تقوم علي ما يأتي:
** الانسحاب من جميع الأراضي التي احتلها إسرائيل في عام 1967.
** أن تصبح الضفة الغربية لنهر الأردن وقطاع غزة وطنا للشعب الفلسطيني ودولة له.
** إرجاع القدس العربية إلي أصحابها.
** أن يعوض الفلسطينيون عن أملاكهم التي فقدوها تعويضا مجزيا.
فماذا في هذه المطالب من خيانة وانهزامية وتصفوية واستسلامية إلي آخر هذه العبارات المرذولة التي لا تخجلون من ترديدها؟
اتقوا الله في شعوبكم وفي مستقبل أمتكم ألهمكم الصواب.
وأنت يا رجل السلام.. يكفيك حب وتأييد شعبك الذي أنت نبضه ووجدانه.
شعبك الذي يؤمن بقيادتك ووطنيتك وقدرتك أن تحقق له ما طال شوقه إليه من سلام وخير.
وستظل مصر أبدا كبيرة عظيمة شامخة ولو كره المنشنجون الحاقدون.