نشر بتاريخ 1977/11/20
** بكل الشجاعة والإقدام والإصرار والفهم الواعي اتخذ الرئيس أنور السادات قراره التاريخي أن يقوم بزيارة إسرائيل ليضع أمام العالم والكنيست حقاذق السلام ومتطلباته, ويزيح من النفوس تراكمات الحقد وترهات المزايدات التي كانت طابع القضية التي استعصت علي الحل علي مدي أكثر من ثلاثين عاما.
بكل الشجاعة والصدق والموضوعية… وهي صفات افتقدها معظم الحكام العرب جيلا بعد جيل… يذهب أنور السادات إلي القدس موضحا
أبعاد القضية الفلسطينية يناقش رؤساء الأحزاب الإسرائيلية في صراحة تامة بمنطق العدل, وروح الإنصاف, وقوة الحق والحرص علي السلام.
** لقد مرت المشكلة الفلسطينية بأدوار متعددة منذ صدر وعد بلفور عام …1917 وتعددت اللجان التي تأتي وتذهب لحل القضية.. وقدمت عشرات الحلول وكان بعضها يتسم بالاقتراب من المطالب العربية, وكان مصير كل ذلك الفشل لأن العرب لم يكن لهم من شعار سوي شعار الرفض.
وبعد الحرب العالمية الثانية تصاعدت القضية, وعرضت علي هيئة الأمم المتحدة وكان مشروع التقسيم الذي رفضه العرب انطلاقا من المبدأ الذي لا يحيدون عنه.. وقامت حرب فلسطين 1948 وانهزم العرب وحصل اليهود علي أكثر مما حدده مشروع التقسيم.
** ويمضي التاريخ… أعوام طويلة منذ 1948 ولم تتقدم القضية خطوة إلي الأمام.. وفي كل حقبة تزداد إسرائيل توسعا, بينما ينصب العرب بورصة للمزايدات الكلامية, ويتبارون في إلقاء القصائد العنترية, والتصريحات والخطب التشنجية فقد أدمنوا الرفض, ولا دراسة للظروف الدولية بمتغيراتها ولا تخطيط واع لما يمكن أن يتحقق في ضوء الظروف الجديدة, ولا استقطاب للتأييد العالمي بل علي العكس بدا العرب للعالم وكأنهم دعاة حرب وخراب وعدوان الأمر الذي استغلته إسرائيل وأحسنت استثماره فبدت وكأتها الحمل الوديع وسط طوفان من الكراهية العربية.
** وعندما صرح إسماعيل صدقي وأعلن عن وجهة نظره بوجوب عقد صلح مع إسرائيل طبقا لقرار الأمم المتحدة هاجت عليه الصحافة العربية واتهمته بالخيانة… وما أسهل أن نستل الخناجر نطعن بها مخالفينا في الرأي ونتهمهم بالخيانة!!
** وتنهمر الشعارات الجوفاء تعبئ الشعوب العربية ضد التصالح, وضد إنهاء النزاع سلميا, وأصبحت الوسيلة لضمان البقاء في كراسي الحكم المهتزة, وارتداء ثياب البطولة والشجاعة هو ازكاء روح العداء وزرع الحقد ضد كل دعوة للسلام… ووصل الأمر إلي اتهام الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة بالجنون والخيانة!! عندما صرح في مؤتمر صحفي بأن الحل الوحيد للمشكلة الفلسطينية هو الصلح مع إسرائيل.
** وكان طبيعيا إزاء كل هذا الاحتشاد المكثف في مجال التعبئة للحقد أن ضاع صوت المعقولية, وقامت حروب عديدة أبرزها حرب يونية 1967 المذلة المهينة.
وكانت مصر تدفع دائما أكبر التضحيات وتتحمل أفدح الخسائر, ويعاني شعبها من هول وجسامة الأعباء, الأمر الذي أدي إلي ما نعيشه من معاناة ومكابدة وهي صامدة أبية أصيلة الكبرياء.
** وكان لابد من تغيير لهذا الوضع الشائن.. كان لابد من عبور هذا الهوان فاتخذ أنور السادات قرار الحرب التاريخي عندما عزت جهود السلام… وانتصرت مصر في أكتوبر العظيم لتشد أنظار العالم إلي ذلك الزعيم القائد الذي يعالج قضايا السلام والحرب بكل هذه الجسارة والإقدام والتخطيط والعلم والفهم.
** ومن مركز القوة عرض الرئيس أنور السادات إمكانية قيام السلام في المنطقة علي أساس الحقوق المشروعة التي تعيد للعرب أرضهم وللفلسطينيين حقوقهم.. وطالت المناقشات السفسطائية حول الإجراءت الأولية.. وكادت تبهت معالم القضية وسط متاهات هذه الإجراءات وتفاضيلها.. وأخذت إسرائيل كعادتها تسوف وتمل شروطا وإجراءات لا معني لها..
** وهنا اتخذ الرئيس أنور السادات قرارا تاريخيا جديدا يضاف إلي قراراته التاريخية المؤثرة.. وقرر في شجاعة وإقدام السفر إلي إسرائيل ليضع كل الأمور أمام الكنيست بل العالم.. إنه يقدم إمكانية قيام السلام العادل بالوضوح والإقناع والمنطق وروح العدل.
** حقا.. إنها لحظة تاريخية وموقف تاريخي يقدم الرئيس أنور السادات سياسيا من طراز نادر ينفذ إلي كبد الحقيقة والواقع من أقصر طريق.. مناضلا شجاعا لا يلتفت إلي وراء فيقيم وزنا للمزايدات والتشنجات وسريع الإدانات التي تتسم بالحمق والنزق.
** وبعد.. لا نملك إلا أن نقول.. بكل التأييد نرجو أن يوفق الله الرئيس أنور السادات في جهوده من أجل السلام والحق, من أجل نضاله لخير أمته وشعبه..
***