أنطون سيدهم .. والسياسة الخارجية
إن ما تقوم به الولايات المتحدة الأمريكية ومعها حلفاؤها بضرب العراق بهذا الشكل العنيف, وما تسببه هذه الغارات من خسائر جسيمة للمدنيين الأبرياء في الأرواح لهو عمل خطير تتألم له كل نفس أبية, حقيقة أن الرئيس صدام حسين لم يمتثل إلي الشرعية الدولية, التي تستخدمها أمريكا لعبة في يدها لتنفيذ أغراضها ومآربها, ولكن ما كان للولايات المتحدة أن تضربه هذه الضربات العنيفة مستخدمة أحدث الأسلحة المدمرة, ولو أن غاراتها استهدفت المناطق العسكرية لهان الأمر, ولكن أن تقوم بوارجها الحربية بإطلاق صواريخها من الخليج إلي بغداد, علي هذا البعد الكبير, مصيبة كل ما تقع عليه من مناطق عسكرية وأخري مدنية, مدمرة الأحياء الآمنة ومسببة خسائر كبيرة في أرواح المدنيين المساكين, فهذا ما لا يقبله الضمير البشري- ولكن يبدو أن المسألة استعراض أمريكا لعضلاتها, وقوتها الضخمة, وأسلحتها المدمرة, حتي تعطي درسا قاسيا للرئيس صدام حسين, وغيره من الحكام الآخرين في دول العالم الثالث.
كان الواجب علي صدام حسين أن يقرأ التاريخ جيدا ويستوعب ما فيه من دروس, فمن مدة طويلة اتفق العالم الغربي علي ألا يقوم حاكم قوي بالشرق الأوسط, وكان ذلك قبل ظهور البترول في المنطقة, ففي أوائل القرن التاسع عشر عندما ظهر محمد علي باشا بمصر وأخذت قواه تشتد وأنشأ المصانع وخصوصا الخاص منها بإنتاج الأسلحة, وانتصر علي عدة دول في المنطقة لحساب سلطان تركيا, ابتدأت الدول الغربية تتربص به, وقد حانت لها الفرصة للقضاء عليه عندما اختلف مع السلطان وسارت جيوشه إلي الأناضول منتصرة علي جيوش تركيا حتي قرب من الآستانة, هنا تحركت أساطيل وجيوش الدول الغربية إلي المنطقة وأمرته بالرجوع إلي مصر, ولما لم يمتثل تم ضربه في عكا وهزيمة الجيش المصري مما اضطر محمد علي للامتثال لأوامرهم وهي الرجوع لمصر وتسريح الجيش المصري, وحل آلات مصانعه, وقد أدي ذلك إلي ضعف مصر عسكريا وسياسيا مما جعل محمد علي يلزم قصره بالقلعة مكمودا حزينا علي ضياع أحلامه في تكوين إمبراطورية كبيرة في الشرق الأوسط, وقضي نحبه وذهب إلي ربه بعد فترة وجيزة.
وهذا ما حدث أيضا للرئيس جمال عبدالناصر في سنة 1967, فقد ظهرت زعامة جمال عبدالناصر في المنطقة وأصبح معبود الجماهير بالدول العربية بأكملها, وأخذ في تكوين جيش كبير, وبناء مصانع السلاح, وأخذ يهدد الدول الغربية عيانا جهارا وعلي الخصوص عميلتها إسرائيل, وأرسل الجيش المصري للدفاع عن ثورة اليمن, فقامت الدول الغربية بإمداد القبائل بالسلاح وإغرائها بالأموال الطائلة مما أرهق الجيش المصري في حرب قاسية في جبال اليمن ووديانه, وعندما تم إضعاف حيوش مصر في إخمادها مناوشات وقتال أتباع إمام اليمن, جروا جمال عبدالناصر إلي حرب هوجاء مع إسرائيل التي أمدوها بأحدث الأسلحة مما أدي إلي انهيار الجيش المصري وتشتته في صحراء سيناء وحلت بمصر هذه النكسة البشعة. وقد أدي ذلك إلي إصابة جمال عبدالناصر بعدة أمراض قضت عليه في سنة 1970, وفقدت مصر والدول العربية زعيما قويا من النادر ظهوره في المنطقة.
يجب علي حكام دول العالم الثالث أن يأخذوا عظة من أحداث التاريخ, وأن يقوموا بتوجيه مجهوداتهم وأموال دولهم في العمل علي إصلاح أحوالهاواقتصادياتها ورفع مستواها الاجتماعي, خيرا لهذه الدول المتأخرة والفقيرة أن توجه كل مجهوداتها ودخلها لإصلاح اقتصادياتها ورفع مستوي شعوبها علميا واقتصاديا واجتماعيا بدلا من صرف أغلب دخلها علي الأسلحة والجيوش الكبيرة التي لا فائدة منها.