نشر بتاريخ 1976/12/19
أنطون سيدهم.. والقضايا الاقتصادية
** عندما صدر القانون رقم 14 لعام 1939, الخاص بفرض ضرائب علي الأرباح التجارية والصناعية, حدد سعر الضريبة بنسبة 7%, علي صافي الربح عن عام 1939, تزاد إلي 8% عن عام 1940, ثم إلي 9% عن عام 1941, ترتفع إلي 10% عن عام ..1942 وفي عام 1942, صدر القانون رقم 19 بزيادة سعر الضريبة إلي 12% من صافي الربح.
ثم أخذت الحكومات المختلفة تزيد في الضرائب تحت أسماء مختلفة.. ففي عام 1952, صدر القانون رقم 47 برفع سعر الضريبة إلي 17%, كما فرضت ضريبة لصالح البلديات قدرها 10% من الضريبة التجارية, و15% من ضريبة القيم المنقولة.. وبذلك أصبحت جملة الضريبة 18.7% علي الأرباح التجارية, و19.55% علي القيم المنقولة.
ثم صدر القانون رقم 51 لعام 1965, بزيادة ضريبة الدفاع إلي 10.5% من الربح, وبالقانون رقم 32 لعام 1968زيدت ضريبة الأمن القومي إلي 8% من صافي الربح, وكأن كل هذه الضرائب لا تشبع الخزانة العامة, ففرضت ضريبة جديدة سميت ضريبة الجهاد بتاريخ 13 أكتوبر سنة 1973, ونسبتها 2.5% من الربح.
وبذا يكون مجموع الضرائب المباشرة علي الأرباح التجارية والصناعية 39.7% وعلي المنقولة 40.55%.
كل ذلك فضلا عن الضريبة العامة علي الإيراد التي فرضت بمقتضي القانون رقم 99 لعام 1949, والتي تدرجت من 9% إلي 95% علي صافي دخول الأفراد أيا كان مصدرها.
* هذا عرض بالأرقام لتطور النظام الضريبي في بلادنا, يتضح منه أن الضرائب المفروضة حاليآ مرتفعة جدا, وتزيد نسبتها عما هو مفروض في جميع دول العالم!.. بل يمكن القول إنها بذلك تعد مصادرة للربح..!
إن مصلحة الضرائب تستولي علي أغلب دخل الفرد وتترك له الفتات.. هذا هو حال الممول الذي تحمل المخاطرة برأس المال والعمل المضني من أجل الحصول علي عائد معقول بحفزه علي مواصلة نشاطه الاقتصادي.
* ولنا أن نتساءل: ما هي النتيجة الطبيعية لهذه النسب الضريبية المرتفعة لدي الممولين؟.. لقد أدي ذلك إلي محاولات التهرب من الضرائب بشتي الأساليب والسبل, سواء بإخفاء حقيقة الأرباح للتخفيف من ثقل أعباء هذه الضرائب, أو بالقيام بعمليات تجارية بعيدة عن أعين مصلحة الضرائب.. وبالتالي ضاع علي الخزينة ما كان يجب أن يدفعه هؤلاء الممولون لها. وبرزت علي سطح مجتمعنا في السنوات الأخيرة مجموعات من التجار الذين يقومون بأعمال جانبية حققوا من خلالها الملايين من الجنيهات المتحررة من مصلحة الضرائب وقوانينها وحساباتها!!.. وقامت أنشطة طفيلية كعمليات الوساطة التي استشرت وساهمت في غلاء الأسعار وتكدس الثروات والإفلات بمهارة من القوانين والأعباء!!
* لقد فات الحكومات المتتالية التي تولت الحكم وهي تصدر هذه التشريعات العديدة لتزيد من حصيلة الضرائب حقيقة هامة وهي أنه كلما ازدادت أعباء الضرائب أدي ذلك إلي قلة الحصيلة لا زيادتها!!.. إن الذي يدفع دائما هم أصحاب الدخول الصغيرة والثابتة.. أما الكبار من ذوي الدخول الرهيبة, الذين يصفع وجودهم وسلوكهم الغالبية من الناس فهم بمنأي عن الأعباء والمساءلة.. ومن السخف أن ترتفع بعض الأصوات التي تنادي بضرورة إخضاع هذه الدخول الكبيرة للضرائب, وإجبارها علي المشاركة في الأعباء لأن نشاط الطبقة الجديدة الثرية يتم دائما في الدهاليز وبذكاء شديد.
* المعقول ونحن نتدارس ونخطط ونعالج ونبني, أن نبحث عن أصل العلة وليس علاج طفحها وآثارها المخزية.
ومن هنا كان علي الحكومة الآن, وهي علي بداية المسار الاقتصادي!!.. وبصدد محاولات متعددة لجذب الشعب إلي استثمار أمواله في المشروعات المختلفة وصولا بخطة التنمية إلي تحقيق المعدلات المعقولة لزيادة الدخل القومي الذي هو الهدف الأمثل.. أقول لابد من مراجعة القوانين الضريبية الحالية بالفكر العلمي والمنهج المنطقي, في ضوء الواقع الذي أفرزته التجربة الماضية.. والمحصلة التي وصلت باقتصادنا القومي إلي مرحلة أنه لابد ممن هزة, بل انتفاضة تزيح تراكم الأخطاء.. وتنفض الحلول الهزيلة ذات البريق الزائف الزاعق النبرات!!
* لابد أن تتعاون جميع الإمكانيات, حكومية وشعبية, لبذل أقصي الجهود لزيادة التنمية لتتناسب مع احتياجات البلاد, حاضرا ومستقبلا. لمواجهة الانفجار السكاني الذي يلتهم كل خطة مرحلية لا تحقق سوي المسكنات وتأجيل كارثة وشيكة الحدوث.
علي الحكومة, وبخاصة وهي بصدد أن تعرض علي مجلس الشعب تعديلات جوهرية لقوانين الضرائب, أن تدرك تماما أن بقاء الضرائب بالنسبة الحالية المرتفعة تعتبر مانعا لكل مصري يقدم علي استغلال أمواله أو استثمارها في أي نشاط صناعي أو تجاري, لأن العائد بعد سداد هذه الضرائب الفاحشة لن يحقق للمستثمر سوي عائد ضئيل لا يتناسب إطلاقا مع ما بذل من جهد وما عاني من مشاكل ومتاعب في العملية الإنتاجية لا حصر لها.. إنه ببساطة يجد أنه من الأضمن والأيسر استغلال ما يملك في سندات حكومية أو شهادات استثمار تأتي له بعائد معقول ومضمون, معفي من الضرائب, وكفي المؤمنين شر القتال!!
* علي الحكومة, قبل أن تقدم التعديلات الضريبية لمجلس الشعب, أن تعيد النظر في أعباء الضرائب الحالية إذا أرادت تحسين الحصيلة وانتظام العمل بمصلحة الضرائب وإعادة الثقة بين الممولين ورجال الضرائب.. فلا تتحول العلاقة إلي لعبة بين غالب ومغلوب, الشاطر فيها الذي يناور فيغلب!!
ولابد أن تتأكد الحكومة أن دفع خطة التنمية وإطلاق القوي الإنتاجية والحوافز لن يتحقق إلا إذا شعر المستثمرون بأسعار الضرائب المعقولة المحتملة التي تدفعهم إلي الإقبال وبحماس إلي استخدام ثرواتهم ومضاعفة جهدهم ومشاركتهم في واجب وطني يحتم تضافر كل الجهود واستخدام كل الإمكانيات المتاحة من أجل الإنسان المصري متحررا من ضغط حاجة.. متطلعا إلي غد أفضل, طالما عذبه الشوق إليه!!