من حارة النصاري حتي باب الخليل, مليون بصمة وعلامة, من المسجد الأقصي لكنيسة القيامة, حفر التاريخ بالدم من هم أصحاب الأرض, التاريخ لم يختزل الحق في الأقصي ولا في القيامة, ولا في حائط البراق, لكن ثمة من يريد تحويل الصراع في القدس إلي صراع علي مقدسات دينية بغية إشعال حرب عالمية علي أساس عقائدي, وثمة من يريد إزاحة الحرب نحو الأراضي المصرية, واختطاف جزء من سيناء لتحويلها لمسرح عمليات عسكرية كما أعلن الرئيس السيسي.
العجيب في الأمر أن الهوس الصهيوأمريكي بلغ ذروته بطرح الأمر كحل في استدعاء لفكرة سيناء الوطن البديل للفلسطينيين.
وبالرغم من أن موقف مصر من القضية الفلسطينية ثابت علي مدار العقود الفائتة, لكن انطلاق دعوات إسرائيلية لتهجير قسري لأهالي غزة إلي سيناء بحجة حماية المدنيين في القطاع, وتصفية حماس, فهو أمر خادع لا ينطلي علي مصري واحد, فسيناء التي ارتوت أرضها بدماء أبناء الجيش المصري حتي تم استردادها من الاحتلال الإسرائيلي, لن يسمح المصريون بتحويلها مسرحا للحرب بعد إزاحة الفلسطينيين عن أراضيهم لتصفية القضية الفلسطينية, لذلك رفضت مصر قيادة وشعبا تلك الدعوات المغرضة وأعلن الرئيس عبدالفتاح السيسي رفضه التام له, ويحظي الرفض بتأييد شعبي مطلق مبني علي الوعي الجمعي للمصريين، خاصة وأنها ليست المرة الأولي التي يتم فيها طرح فكرة سيناء كوطن بديل للفلسطينيين بأشكال مختلفة. إذ تعود جذور مخطط تهجير الفلسطينيين لسيناء إلي ما يزيد علي نصف قرن, فبعد احتلال إسرائيل قطاع غزة في 1967, شجعت السلطات الإسرائيلية الهجرة القسرية للفلسطينيين بإجبار المسافرين ثم منعتهم من العودة وحرمتهم حق لم الشمل.
وفي عام 1970, حاول أرئيل شارون, الذي كان قائدا في الجيش الإسرائيلي, وأصبح لاحقا رئيسا للوزراء, تفريغ قطاع غزة من سكانه. ونقل مئات العائلات الفلسطينية في حافلات عسكرية وألقاهم في مناطق في سيناء التي كانت تحت الاحتلال الإسرائيلي, وعائلات أخري وجهت نحو العريش علي حدود غزة.
تضمنت خطة منح تصاريح للفلسطينيين الذين يرغبون في المغادرة من غزة للدراسة والعمل في مصر وتقديم حوافز مالية لتشجيعهم علي ذلك. إلا أن الموضوع اقتصر علي سفر الفلسطينيين إلي مصر للدراسة والعودة مرة أخري.
في عام 2000, قدم اللواء في الاحتياط غيورا أيلاند, الذي كان يرأس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي, مشروعا يعرف باسم البدائل الإقليمية لفكرة دولتين لشعبين. نشر هذا المشروع في مركز بيجن السادات للدراسات الاستراتيجية. ووفقا لمشروع إسرائيل الذي طرحته في عام 2000 لتهجير الفلسطينيين إلي سيناء, فقد طرحت أن تقدم مصر تنازلا عن 720 كيلومترا مربعا من أراضي سيناء لصالح الدولة الفلسطينية المقترحة. في المقابل, يتنازل الفلسطينيون عن نفس المساحة المقترحة في سيناء من مساحة الضفة الغربية وتضمينها السيادة الإسرائيلية.
وفي عام 2004, قدم يوشع بن آريه, الرئيس السابق للجامعة العبرية, مشروعا مفصلا لإقامة وطن بديل للفلسطينيين في سيناء, استنادا إلي مبدأ تبادل الأراضي بين مصر وإسرائيل وفلسطين, والمعروف سابقا بمشروع غيورا أيلاند تتضمن الفكرة تخصيص أراض في سيناء للدولة الفلسطينية, وتحديدا منطقة العريش الساحلية, وفي عام 2020 أطلق الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب مشروع صفقة القرن تحت عنوان السلام علي طريق الازدهار, وتضمن تنازل مصر عن أراض في سيناء لإقامة مطارات ومصانع ومراكز تجارية ومشاريع زراعية وصناعية تسهم في توفير فرص عمل لمئات آلاف الأشخاص, وتأسيس دولة فلسطينية في تلك المنطقة مع شرط أن تتخلص من السلاح. كانوا يخططون لصفعة القرن. لكنها أبدا لن تلامس وجه سيناء طالما اتحد المصريون قيادة وشعبا علي الرفض.
نعم إنها صفعة القرن وليس صفقة القرن لإزاحة الفلسطينيين عن القضية الفلسطينية الأصلية وتقسيمهم وتفريقهم في مناطق مختلفة. وذلك علي حساب الأراضي المصرية وتحويل سيناء إلي مسرح للحرب, فبأي منطق تطلب إسرائيل من مصر التخلي عن سيناء؟ وبأي منطق تتصور أن الشعب سيقبل ذلك؟!!