البركة
وفي كفاية البركة للإنسان, قال الكتاب, بركة الرب هي تغني, ولا يزيد معها تعبا (أم 10:22).
والبركة وردت في الكتاب من أول قصة الخليقة, إذ بارك الله أبوينا الأولين آدم وحواء باركهما الله, وقال لهما: اثمروا وأكثروا, واملأوا الأرض واخضعوها, وتسلطوا علي سمك البحر وعلي طيور السماء وعلي كل حيوان يدب علي الأرض (تك 1:28)
وهنا نجد أن البركة كانت تحمل الكثرة والقوة والسلطة: وبهذه البركة عاش آدم وكيلا لله علي الأرض. وكانت هيبته علي جميع المخلوقات الأخري.
وما كانت الحيوانات تؤذيه, عاش في سلام وسعادة. ومع البركة كانت توجد النقاوة. فلما أخطأ الإنسان, لم تعد البركة معه كما كانت أولا. وفسد العالم, حتي أغرقه الله بالطوفان. وأول إنسان فقد البركة تماما, حتي أنه لعن من الله, هو قايين (تك 4:11).. وتلته لعنة الطوفان. ثم عاد الله ورضي علي البشرية في شخص نوح, فباركه هو وبنيه, بنفس بركته لآدم وحواء (تك 9:1).
ومن البركات البارزة في الكتاب, بركة الله لأبينا إبراهيم:
كانت بركة مثلثة, إذ باركه هو, وجعله بركة, وقال له أيضا وابارك مباركيك… وتتبارك فيك جميع قبائل الأرض (تك 12: 2ـ3) وكانت البركة تحمل العظمة والسمة والانتشار. فقال له: أجعلك أمة عظيمة, وأباركك وأعظم اسمك (24). وبعد تجربة إبراهيم, باركه الرب وقال له: أباركك مباركة, وأكثر نسلك تكثيرا, كنجوم السماء وكالرمل الذي علي شاطئ البحر, (تك 23:17).
معني البركة وشمولها
في الواقع, من الصعب تحديد معني معين للبركة, فهي تشمل الخير, كل الخير. وبالنسبة إلي الإنسان, تشمل عمل الله معه, في كل حياته, وكل عمله, وكل ما ينتسب إليه, وكل ما تمتد إليه يده. بركة الله لحياته, وعمله, ونسله, وكل ما يملك. وكان الله يأمر سبط لاوي بالوقوف علي جبل جرزيم وتلاوة بركات الله, ويرد الشعب آمين (تك27:12).
وكانت بركات الله مرتبطة بطاعته والعمل بوصاياه:
وأهم وأشمل أصحاح وردت فيه البركة هو تثنية 28 حيث يقول فيه الوحي الإلهي:
وإن سمعت سمعا لصوت الرب إلهك, لتحرص أن تعمل بجميع وصاياه… تأتي عليك جميع هذه البركات وتدركك.
مباركة تكون في المدينة, ومباركة تكون في الحقل. مباركة تكون ثمرة بطنك, وثمرة أرضك, وثمرة بهائمك… مباركة تكون سلتك ومعجنك. مباركة تكون في دخولك, ومباركة تكون في خروجك. يجعل الرب أعداءك القائمين عليك منهزمين أمامك… يأمر لك الرب بالبركة في خزائنك, وفي كل ما تمتد إليه يدك… ويزيدك الرب خيرا.
يفتح لك الرب كنزه الصالح, السماء, ليعطي مطر أرضك في حينه. وليبارك كل عمل يدك… ويجعلك الرب رأسا لا ذنبا, وتكون في الارتفاع… إذا سمعت لوصايا الرب إلهك… (تك 28: 1ـ14).
وعكس هذا الكلام قيل في اللعنات التي تصيب عصان وصايا الله.
مصدر البركة
مصدرها هو الله, وكل من جعل الله فيه بركة:
1ـ نحن نطلب البركة من الله مباشرة. والله يمنحها لنا من عنده مباشرة. ونلاحظ أن البركة التي تمنحها الكنيسة حينما تصرف الشعب في نهاية أي اجتماع هي محبة الله الآب, ونعمة ابنه الوحيد, وشركة وموهبة الروح القدس, تكون مع جميعكم.. إنها إذن بركة من الله , من الثالوث القدوس, تحمل محبة الله, ونعمته, وشركته في حياتنا, ومواهبه لنا…
بالبركة المباشرة, من فمه الإلهي, بارك الله آباءنا آدم ونوح وإبراهيم وغيرهم. علي أنه قد يباركنا عن طريق خدامه وأولاده.
2ـ بركة من الكهنوت, من رجال الدين, من وكلاء الله:
من وكلاء سرائر الله, (1كو 4:1), (تي 1:7) هؤلاء الذين ائتمنهم الله علي بيته (عد 12:7). هؤلاء يأخذون من خزائن الله, ويمنحون الناس بركات… أعني الأنبياء, الرسل, الأساقفة, الكهنة, الآباء الروحيين.. ونلاحظ أن إبراهيم أبو الأنبياء, أخذ بركة من ملكي صادق كاهن الله العلي (تك14: 18, 19), مع أن أبرآم نفسه كان من كهنة الله. ولكن كهنوت ملكي صادق كان أعلي (عب7:7).
والكهنة حينما يباركون, إنما ينقلون بركة الله إلي الناس, أو يصلون أن يمنحهم الله بركة:
إنهم يصلون قائلين باركهم.. أو يقولون للشخص يباركك الرب.. وعلي الكاهن بارك منه, بصلاة أن يعطيها الرب سؤل قلبها (1صم 1:17) مجرد عبارة السلام لجميعكم التي تسمعونها مرارا في كل قداس هي كلمة بركة. وسنشرح بعد حين طريقة المباركة من الآباء الكهنة..
3ـ بركة من العذراء والشهداء والقديسين وآباء الكنيسة ورجال الله:
إيليا رجل الله, كان بركة في بيت أرملة صرفة صيدا. فبارك الله كور الدقيق وكوز الزيت في بيتها طول مدة المجاعة. وحلت بركة إيليا حينما مات ابنها فقام حيا بصلاته (1مل17)… وبالمثل كان أليشع النبي بركة في بيت المرأة الشونمية, فمنحها الله ابنا بدعائه لها, ولما مات أحياه الرب بصلاته (2مل4).. وكان يوسف الصديق بركة في بيت فوطيفار فكانت بركة الرب علي ما كان له في البيت وفي الحقل, (تك 39: 5) بل كان يوسف بركة في أرض مصر, فحفظها الله من المجاعة, وجعله الله سببا لاستبقاء حياة (تك45:5).
أما بركة العذراء والشهداء والآباء القديسين, فليست مجال كلام أو شرح. إننا نذكر كل هذه الأسماء في القداس, ونقول بعدها بركتهم المقدسة فلتكن معنا آمين. وفي صرف الشعب في نهاية اجتماعاتنا, نطلب لهم بركة العذراء والملائكة, بل نأخذ أيضا بركة عظامهم ومخلفاتهم وكل ما يتعلق بهم. نأخذ بركة صلواتهم وشفاعاتهم.
4ـ بركة الوالدين, ومن في مستواهم من الشيوخ وكبار السن:
ولذلك في الوصايا العشر, جعل الله إكرام الوالدين مصحوبا ببركة أن تطول أيامك علي الأرض (خر20:12) التي هي أول وصية بوعد, (أف 6و2 و3). وقد رأينا كيف كان حرص كل من يعقوب وعيسو علي أخذ بركة أبيهما إسحق, وكيف صرخ عيسو صرخة عظيمة ومرة جدا, لما عرف أنه فقد هذه البركة, ورفع صوته وبكي (تك27, 38,34). وطلب من أبيه أن يباركه هو أيضا..
وكما قال الآباء في بركتهم, هكذا حدث تماما:
كما بارك نوح سام ويافث ولعن كنعان هكذا حدث (تك9: 25ـ27). وهكذا بالإيمان إسحق بارك يعقوب وعيسو من جهة أمور عتيدة بالإيمان يعقوب عند موته بارك كل واحد من ابني يوسف, (عب11: 20ـ 21).
وهكذا حدث تماما. واعتمد الرب بركة الوالدين.
فياليت كل إنسان بحرص علي أن ينال بركة والديه: يحبهما ويخدمهما ويطيعهما ويكرمهما في حالة المرض والعوز والشيخوخة وينال بركتهما. وبالمثل يحرص علي أن ينال بركة الشيوخ وكبار السن. ومن هم في مستوي والديه من الأقارب كالأعمام والعمات والأخوال والخالات, والجدود ومن غير الأقارب أيضا, بل أيضا بركة أساتذته ومعلميه, وينال دعاء الكل من أجله.
وكمثال عندنا في الخدمة بيوت للمسنين والمسنات. ما أجمل أن نأخذ بركة كل هؤلاء بالعناية بهم في شيخوختهم..
5ـ أيضا نأخذ بركة خدمة الجائع والمعوز والمحتاج والمسكين:
وقد اعتبر السيد الرب أن كل خدمة مقدمة إلي هؤلاء, إنما هي مقدمة إليه هو شخصيا, بقوله كنت جوعانا فاطعمتموني.. وقوله أيضا الحق أقول لكم بما أنكم فعلتموه بأحد إخوتي هؤلاء الأصاغر, فبي قد فعلتم (متي 25: 35ـ40).
وفي هذا المجال قال أيوب الصديق بركة الهالك حلت علي (أي29:30).. أي الشخص الذي كاد يهلك, هذا حلت بركته علي..
6ـ بركة الأماكن المقدس, وكل ما هو مقدس ومدشن:
لذلك نحن نأخذ بركة الكنائس والأديرة ومواضع القديسين والأراضي المقدسة وكل بيوت الرب, لأن هناك أمر الرب بالبركة والحياة إلي الأبد(مز133:3). وهكذا نجد الرب يتغني قائلا مساكنك محبوبة أيها الرب إله القوات, تشتاق وتذوب نفسي للدخول إلي ديار الرب.. لأن يوما واحدا في ديارك خير من آلاف(مز84).