التقارب المسيحي -المسيحي هو الأرضية المشتركة التي يقف عليها المسيحيون, مستندين إلي الكتاب المقدس باعتباره المرجعية المتفق عليها في كافة الطوائف, ليس من أجل الانصهار ولكن من أجل الوحدة, التي وصفها قداسة البابا في كلمته بالفاتيكان الأسبوع الماضي بأنها لا تعني استيعاب الواحد للآخر أو سيطرة الواحد علي الآخر, بل إنها خدمة كل واحد منا لمساعدته علي عيش عطاياه الخاصة التي منحه إياها روح الله. وهنا يجب التوقف عند تعبير العطايا الخاصة, فلكل كنيسة عطاياها وثقافتها, ومعطياتها التي كونت مفاهيمها علي مدار قرون, فللشرق معطياته التي يشتقها من مجتمعه, وللغرب معطياته المشتقة أيضا من مجتمعه, ولكل بلد خصوصيته الدينية التي تتأثر بالظرف السياسي والديموجرافي, مثلا هل الطقوس والممارسات والأفكار لدي المسيحيين في أفغانستان هي ذاتها لدي المسيحيين في الوطن العربي؟ قطعا لا, لأن أفغانستان لا تعترف بوجود المواطنين الأفغان المسيحيين, ولا يسمح القانون هناك للمواطنين الأفغان باعتناق المسيحية, ومن الطبيعي أن تفرز تلك العوامل الضاغطة أفكارا وطقوسا وممارسات دينية مختلفة عن تلك التي تتم في دول مستقرة علمانية, كل هذا يثبت أن العوامل السياسية, والاجتماعية والديموجرافية تؤثر علي المفاهيم والعادات والطقوس المرتبطة بالعقيدة كل حسب البيئة التي نشأت فيها كنيسته.بينما يبقي جوهر الإيمان المشترك واحدا.
التقارب المسيحي- المسيحي, محاولة لاستعادة وحدة الكنيسة الأولي التي تأسست في اليوم الخمسين لقيامة السيد المسيح, بغض النظر عن تلك العوامل التي تقوض بلوغه, لكن ذلك التقارب محاط لدي البعض بفهم شخصي عن طبيعته ومعناه, فهم يعكس أفكارهم الخاصة وليست أفكار الكتاب المقدس, والفارق شاسع, لأن الفكر الخاص مخترق بهوي النفس, وكل ما يحمله من الحب والكره, القبول والرفض, المواقف السيئة والحسنة, وميراث الأزمات والخلافات أو حسابات المكسب والخسارة, أما الفكر الكتابي فهو دستور المسيحية, لذلك حينما تثار الأقاويل حول موضوع التقارب المسيحي -المسيحي بسبب زيارة قداسة البابا تواضروس الثاني للفاتيكان وإحياء ذكري الاتحاد الذي أسسه مثلث الرحمات البابا شنودة في سبعينات القرن الماضي علينا أن نفتش جيدا عن المنابر والأبواق التي تطلق اتهاماتها وتزرع روح التفريق وتبث أفكارا وتعاليم مشوهة في العقول, علينا البحث عن خلفيات الرافضين عن تاريخ العلاقات التي تربطهم بعوامل الرفض والقبول حتي ندرك الأسباب ونستخلص النتائج.
حقا أتعجب من أولئك الذين يحذرون اليوم من الوحدة, إذ كانوا يدعون للاصطفاف قبل عشر سنوات, وقت صعود تيار الإخوان لسدة الحكم في مصر, وتم تشجيع التنسيق بين ممثلي الكنائس المصرية الثلاث فانسحبوا معا من الجمعية التأسيسية للدستور بسبب سيطرة النزعة الدينية علي النصوص المقترح تضمينها في دستور يحكم حياة المصريين علي اختلاف أديانهم ومذاهبهم, حتي إن بعض المتشددين قالوا:إن أتباع الكنائس المسيحية ابتلعوا خلافاتهم العميقة في سبيل مزيد من توسيع النفوذ الفكري وغير الفكري, حينها كان الأنبا باخوميوس مطران البحيرة والتحرير والنطرون ومطروح وتوابعها بمصر, هو قائم مقام البطريرك, وانسحبت الكنائس بالاتفاق عشية حفل التنصيب الرسمي للبابا تواضروس الثاني يوم 18نوفمبر 2012, ولم تلتفت لمن يحاول الصيد في مياه الخلافات الطائفية.
وهكذا يبدو جليا لكل من يتابع, كيف يتم تطويع الخلافات سياسيا وأيديولوجيا وطمعا بل وانتقاما لمواقف وأيام بعينها, وكيف يتم تطويع التقارب والتباعد لصالح السلطوية السياسية في كل مكان وزمان, خاصة تلك المستندة إلي أسس متشددة دينيا, هذا ليس بعيدا عنا الآن لكنه لا يتجاوز الغرف المغلقة, وذلك لا ينفي وجوده, لكن المفرقين يجذبونه عمدا من الداخل للخارج, تاركين أنفسهم وسيلة طيعة في يد من يريد تأجيج ودعم الصراعات المذهبية لاستمرارها علي حساب الاصطفاف الإيماني, لذلك فتشوا عن تاريخ أولئك الذين يضربون بالوجود المشترك عرض الحائط.