أثار إعلان الدكتور مصطفي مدبولي, رئيس مجلس الوزراء عن إعادة تخطيط بعض المناطق يوم الأربعاء الماضي, جدلا كبيرا بين سكان هذه المناطق, فالمواطن الذي يقطن في منطقة تخضع لإعادة التخطيط لا يعلم أي شيء عن تفاصيل التخطيط, وهو ما يثير الذعر في نفوس الناس بسبب ما سبق من إخلاء قسري لسكان مناطق خضعت للتخطيط سابقا, مثل البراجيل, ومناطق أخري تسبب تشييد كباري جديدة بها, في إخلاء عقارات كاملة, مثلما حدث في منطقة عين شمس وما ترتب عليه من آثار اجتماعية ونفسية سلبية للغاية.
ومع تراجع القيمة الشرائية للجنيه مقابل الدولار, صارت التعويضات المقررة لأولئك الذين يجبرون علي ترك منازلهم وذكرياتهم, ومحيطهم الاجتماعي, زهيدة للغاية, ومع تمدد التخطيط ليشمل الأحياء التي تضم قطاعا عريضا من الطبقة المتوسطة في قلب العاصمة مثل حي الساحل مثلا, أصبح الأمر مرعبا, لأن أي تعويض لن يمنح وحدة سكنية مماثلة في نفس الحي, وبالتالي يضطر المضار من إعادة التخطيط للتنازل عن العيش في محيطه والانتقال لمحيط أقل جودة طبقا لسعر السوق, ومقتضيات العرض والطلب علي العقارات ناهيك عما يسبق البدء في التخطيط من تخبط وغضب بين السكان, بسبب التعتيم علي الأماكن المستهدفة.
كما أن القرار ذكر أن ما يحدث من إعادة تخطيط عمراني لبعض المناطق هو استغلال لأراضي الدولة, فهل الوحدات السكنية المملوكة للمواطنين تدخل ضمن ملكية الدولة؟
وحينما ينص القرار علي أن إعادة التخطيط تضم منطقة كورنيش النيل بحي الساحل بمساحة تبلغ (154.5) فدان, بمحافظة القاهرة, ومنطقة ميدان رمسيس والسبتية وكوبري الليمون بمساحة (14.62) فدان, كما تتضمن المناطق كورنيش النيل بالمعادي ودار السلام وأثر النبي, بمساحة (1642.75) فدان, بدون ذكر أي تفاصيل عن امتداد تلك الأفدنة طولا وعرضا, وتحديد الشوارع والعقارات التي سيشملها التطوير, فهذا كفيل بإثارة البلبلة.
كما أنه من غير المعلن معايير التطوير, هل لصالح سكان المنطقة, أم أن ذلك التخطيط يرمي لتحويل المناطق المطلة علي كورنيش النيل إلي مناطق سياحية وفندقية علي غرار مثلث ماسبيرو, ومجمع التحرير.
الناس تجهل مصائرها, والحيرة تطل برأسها لتطيح بالمشهد العام. الناس معدومو الحيلة يبيتون في حسبة الأفدنة وإلي أي مدي قد تمس استقرارهم الذي لا يتجاوز الأربعة جدران المحتمين بينها.
التقيت بزميلة تعرضت منذ ما يقرب من عام لنفس الموقف, كانت تقطن في حي عين شمس, تم هدم منزلها لتشييد كوبري, التعويض لم يجلب لها وحدة مماثلة, واستنزف السكن في شقة بالإيجار الجديد وحماية الأثاث الناتج عن ترك منزلها معظم المبلغ, اضطرت للعيش في بيت والدها, ومعها طفليها, أما الزوج فذهب ليحيا في بيت والده, انشقت الأسرة بسبب كوبري, وكم من أسر طالها التشريد.
لماذا تتعنت الحكومة في الإفصاح عن تفاصيل مخططها لتحويل هذه المناطق لبقعة سياحية؟ لماذا لا يتم الكشف عن الأماكن المستهدفة بتحديدها وإطلاع المواطنين علي المستقبل ليكونوا شركاء في القرار, فاعلا وليس مفعولا به, تقيده السلطة, ويشل اختياراته ضيق ذات اليد, في ظرف أقرب للإحباط من الأمل, بعد انفجار أسعار الطعام, فهل من المناسب الاستمرار في اتخاذ حزمة قرارات اقتصادية وتطويرية تطيح بأمان الناس اجتماعيا.
أعلم أن التطوير مهم, لكن الأمان والاستقرار الاجتماعي, والعيش بعيدا عن المنغصات الحكومية اليومية أهم, افتحوا أبواب الأمل للناس قبل فوات الأوان, لا تسدوا شرايين المستقبل في وجوه الضعفاء, اشركوهم في القرارات التي تمس حياتهم اقنعوهم أو فلنكتف بهذا القدر من تطوير الطوب, لننتبه لحماية النفوس من عطب القلق, والخوف, والعيشة علي كف عفريت كما يصفها البعض قال لي أحد الزملاء الذي تم تعويضه عن شقته في البراجيل منذ شهور: ما الذي يضمن لي بعد الانتقال لمكان آخر, إلا يدخل هذا المكان ضمن خطة تطوير لاحقة هذا هو مربط الفرس, الشعور بعدم الأمان, في ظل المستقبل المجهول, للأسف أن الزميل محق, ففي ضوء عدم الإفصاح عن المعلومات يجد المواطن نفسه ريشة في مهب الريح, مضطر لتنفيذ قرار الإخلاء, ولا يمكنه العيش في الشارع, ويتسرب المال منه رويدا رويدا, ليصبح خاوي اليدين, والنتيجة هي التشريد فماذا ستفعل مصر بأفضل مبان, وأعلي كباري, في حين يشقي الناس بالمفاجآت كل يوم نحن لا نطلب وقف خطط التطوير, وإعادة التخطيط لكننا نطالب بتفعيل الحوار الوطني حول هذه القرارات التي تمكن مستثمرين أجانب من شراء مساحات شاسعة في أفضل مناطق مطلة علي النيل, وتنتزع المواطن المستقر من مجتمعه, وسكنه وأمانة, لذلك فإنه يجب تعويض سكان في ذات المناطق التي يقطنون بها, مع التعويض عن الإيذاء المعنوي الذي لحق بهم, هذا هو ميزان العدل, الذي يحمي حقوق المضارين, واختلاله غاية في الخطورة, لأنه بدون وجود معادلة الحوار والرضا بين الحكومة والمواطن, ستظل الثقة بينهما متدنية, بكل ما يحمله اللفظ من مخاطر ومغبات الانتزاع القسري من طينتهم الأساسية لزرعهم في أرض ليست أرضهم, ومنهم كبار السن الذين لا يريدون سوي قضاء أيام شيخوختهم بدون مرمطة.