أبي.. كيف يمكن أن يؤثر في مستقبل حياتي, وكيف تؤثر علاقة الأب بابنته علي فكرتها عن الرجل, عن كل الرجال, واختيارها لزوج المستقبل, وتصورها للحياة الزوجية والعلاقة الإنسانية بين الزوج والزوجة ومشاعرها الحالية وأسلوب معاملتها مع زملائها ورؤسائها في العمل.
كانت كل هذه التساؤلات تدور في أذهان علماء النفس الذين كلفوا بدراسة مجموعة من الزوجات الصغيرات اللواتي فشلن في حياتهن الزوجية. وكان أول ما تبادر إلي أذهان علماء النفس هو البحث عن طفولة هؤلاء الزوجات وحياتهن في منازل آبائهن وأمهاتهن قبل الزواج, ولكن من خلال الأحاديث العابرة التقط علماء النفس بعض الكلمات التي قادتهم إلي أسباب الفشل: كانت هذه الكلمات تدور حول الصورة التي تكونت في ذهن كل زوجة عن والدها والحياة الزوجية التي يعيشها والدها ووالدتها.
فبعض هؤلاء الزوجات يصفن الأب بأنه متسلط.. قاس.. غير مبال.. غير متفاهم يعامل الأم كما لو كانت خادمة.. غيور.. يشك في كل شيء.. يسيء فهم الناس. يستبد برأيه. ضعيف يخضع تماما لرأي الأم, لا رأي له في أي شأن من شئون البيت, ومتهاون في حقوقه. طيب أكثر من اللازم. يثق في كل الناس…يعطي أكثر مما يجب. وبعضهن يصفن الأب بأنه رائع, متفاهم, عظيم, محب لا يمل الفرد مجلسه, متفائل مبتسم دائما.
والابنة تري في والدها الرجل الأول في حياتها, مثلها الأعلي الذي يفضل في نظرها كل الرجال, فإذا كان الأب رجلا عظيما مفكرا ومحبا ومتفاهما حلو المعشر أحبته بكل مشاعرها, وتصورت أن كل الرجال علي هذه الصورة الرائعة, وهي ترسم في خيالها فتي الأحلام بنفس صفات هذا الأب وتبحث عن هذه الصورة في كل رجل تلتقي به, وتختار من بينهم الرجل الذي تظن أنه يشبه والدها فإذا جاءت الحقيقة علي خلاف ما تصورت كانت صدمة بالنسبة لها ربما أدت إلي فشل الحياة الزوجية.
أما إذا كان الأب متسلطا عنيدا ولا يمكن التفاهم معه, ويسيء معاملة الأم ويستبد برأيه فهي تخشي هذا الأب وتشفق علي الأم التي تلقي هذه المعاملة وتتصور كل الرجال علي شاكلة والدها, لذلك تحاول في اختيارها لزوجها أن تبتعد عن هذه الصفات وأحيانا تشعر بالنفور من الزواج خوفا من أن تلقي نفس مصير أمها.
والأب الخاضع الضعيف الشخصية الذي لا يعرف كيف يجعل من في البيت يحترم كلمته, يسيطر عليه الناس وينقاد لآرائهم, مثل هذا الأب لا ينال عطف الابنة وتعاطفها معه, إنها في قرارة نفسها اتحتقره وتحتقر ضعفه حتي وإن حاولت أن تخفي رأيها ومشاعرها, وهي تحتد علي الأم التي حولت الأب إلي شخص باهت الشخصية لا كلمة له, وهي ترفض تماما أن يكون شريك حياتها من هذا النوع الضعيف, وهي قد تذهب في محاولتها للابتعاد عن هذا النوع إلي اختيار نقيضه, ثم الإحساس بالندم بعد ذلك إذا وقعت في براثن رجل قاس أو شرير هكذا تتأثر حياة الابنة, مستقبلها كله, بشخصية والدها وحياته مع والدتها ومعاملته لأبنائه, وهذا يؤكد مدي مسئولية الأب تجاه ابنته ومدي تأثيره علي حياتها ليس فقط في السنوات التي تعيش فيها تحت سيطرته وإنما علي حياتها المستقبلية مع زوجها وبين أولادها.