إنها مشكلة يعاني منها كل بيت, وكل أسرة, وكل زوجين, وهي مشكلة موجودة في كل بيت, يعاني منها الزوج, وتتهم فيها الزوجة, ولكنها تلتمس لنفسها الأعذار.. ولكن مهما كانت الأعذار فإن ذلك لا يعفي الزوجة من المسئولية.
يقول جودفراي واين مستشار السعادة الزوجية, في بحث طريف قام به بين خمسمائة أسرة عاش بينها ودرس مشكلاتها, وتعمق فيها, وكان علي صلة وثيقة بالزوج والزوجة في كل أسرة, يقول إن سعادة الزوج تتوقف علي عدة أشياء تقوم بها الزوجة, وهي: ما هو الشيء الذي يحتل المكانة الأولي في حياة الزوجة؟.. الزوج, الأولاد, الوالدان, حياتها الوظيفية ومستقبلها, العناية بمنزلها ونظافته ومظهره, الاهتمام بنفسها ومظهرها وأناقتها, أو العناية والاهتمام برأي الغرباء والجيران عنها؟
يقول جودفراي واين إن الإجابة عن هذا السؤال ليست بالبساطة التي نتصورها, ففي بعض الأحيان يكون الاختيار سهلا والطريق واضحا وبسيطا وفي بعض الأحيان تكون المشكلة أكثر تعقيدا والاختيار شاقا والطريق ممتلئا بالعقبات.
ولكن الذي أريد أن أقوله ببساطة ووضوح وصراحة, إنه إذا أرادت الزوجة أن يكون زوجها سعيدا فعليها أن تضع زوجها في المكانة الأولي من حياتها مهما كانت الظروف والعقبات والصعوبات, إن الزوج إلي جانب كونه الشريك والحبيب والزوج, فهو رأس الأسرة وقائدها, ويجب أن تكون مكانته الأولي بلا منازع. وقد يصدم هذا الكلام وهذه الصراحة الكثيرين وخاصة الزوجات اللواتي يعتقدن أن في ذلك تحيزا إلي جانب الرجل الزوج, وأن هذا الزوج نفسه قد يضع عمله أو مركزه أو أولاده أو والديه في المكانة الأولي قبل زوجته.
ولكني كما قلت أريد حديثا صريحا واضحا يقودنا فعلا إلي حياة سعيدة ناجحة, إن الكثيرات من الزوجات يجعلن للأولاد المكانة الأولي, وبمجرد أن تنجب الزوجة تتحول كلية إلي أطفالها, تمنحهم الرعاية والاهتمام والحب, وتستنفد جهدها ووقتها معهم, ولا تبقي شيئا من كل هذا للزوج, وهي تتوقع أن يرضي الزوج بذلك ويسعد, فهي تفني نفسها من أجل أولادها, ولكن الزوج في الحقيقة يشعر بأنه أصبح مهملا, وأن مكانته في قلب زوجته تزعزعت وأنها أصبحت مقصرة في حقوقه, ونحن لا ننكر أن قدوم الأطفال وخاصة الطفل الأول في حياة الأسرة لابد أن يحول اهتمام الأم والزوج أيضا إليه وإلي حياته وتطورات نموه, ولكن ذلك لا يجب أن يستمر إلا إلي ما لا نهاية, فبمجرد أن يكبر الطفل لابد وأن يتعود الاستقلال والاعتماد علي النفس, وتترك له الفرصة ليحقق ذلك ويصبح بالتدريج فردا من أفراد الأسرة له جزء من الاهتمام والرعاية والحب, وليس كل الاهتمام والرعاية والحب.
لقد شاهدت بعيني أرواجا ليس لهم ذكر علي لسان زوجاتهم, وحينما تجتمع الأسرة في أي مكان يحظي الأولاد بكل شيء, بينما الزوج لا يكاد يشعر بوجوده أحد, وأنني استطيع أن أؤكد أن مثل هذا الزوج له العذر إذا بحث عن الحنان والحب والاهتمام لدي واحدة غير زوجته.. إن احتياجات الزوج العاطفية والنفسية والبيولوجية لا يمكن تجاهلها أو إنكارها, ولكن كثيرا من الزوجات يقعن في هذا الخطأ الفادح, ويحتل الأطفال المكان الأول, وبدلا من أن يصبح الطفل نعمة يتحول إلي نقمة أو لعنة تفسد حياة الزوجين.
أما الزوجة التي تضع عملها ومستقبلها في المكانة الأولي, فهي تؤكد أن زوجها يعرف مقدما ماذا يعني عملها ومستقبلها بالنسبة لحياتها, وأنه يوافق علي ذلك ويرضي به, وأنها لابد وأن تتاح لها الفرصة لتحقق ذاتها, كما أن الظروف المعيشية لا تسمح بأن تترك عملها, وأن الزوج وحده لا يستطيع أن يكفي مطالب الحياة والأسرة, إلي جانب أنها لم تتعلم لينتهي المطاف بها إلي أن تصبح زوجة فقط تكنس وتطبخ وتربي الأولاد وتعمل دادة, وكل هذا الكلام صحيح في مجمله وظاهره.., لكن الخطورة تكمن في أن تتحول الزوجة إلي عاملة مشغولة معظم الوقت بعملها, وتصبح مطالب زوجها واهتماماته علي هامش حياتها, وتصبح في بيتها كالمديرة التي لا تعرف أي شيء عما يدور في البيت سوي إلقاء بعض الأوامر السريعة كل صباح إلي الشغالة قبل أن تسرع إلي عملها, إن الزوج قد يقبل أن تعمل زوجته, وقد يرضي أن تهتم بعملها وتقدسه, ولكنه لا يتحمل مطلقا أن يكون ذلك علي حساب حقوقه أو يكون لذلك المكانة الأولي قبله.
وهناك الزوجة التي تضع والديها في المكانة الأولي قبل زوجها فتنقاد إلي مشورتهما, وتستمع إلي رأيهما مهما كان ذلك مخالفا لمشورة ورأي الزوج.
ويقول واين: إنني لا ألوم الزوجة التي تفسح في بيتها مكانآ بين حين وآخر لوالدتها أو والدها, بشرط أن يظل زوجها هو رب الأسرة الفعلي, وليس مجرد فرد, دوره في الأسرة أن يدفع الإيجار ويتحمل النفقات, والزوج العاقل هو من يحترم حماته ويقيم معها علاقة طيبة, ولكن كل ذلك يتوقف علي الزوجة التي يجب أن تضع زوجها في المكانة الأولي, ترحب بأمها وبوالدها ثم تستضيفهما دون أن يمس ذلك من الزوج أو هيبته أو مكانته في قلب زوجته.
وأخيرا.. مهما كانت اهتمامات الزوجة ببيتها, بمظهرها, بالغرباء, بالجيران, فلابد أن تكون هذه الاهتمامات في مرتبة ثانية, وأن يكون الزوج وحده المكانة الأولي إذا كانت تبحث فعلا عن إسعاد زوجها, وإنجاح حياتها الزوجية.