عيد الطفولة.. الطفولة السعيدة تقليد بدأناه من عدة سنوات… أن نحتفل بالأطفال, نجعل لهم عيدا لتكريمهم, وإغداق الحب والحنان عليهم ورعايتهم وإحساسهم بأنهم أفراد مهمون في الأسرة.
وهو تقليد جميل وعظيم.. وضروري أيضا ولكنه لا يكفي.. الاحتفال بالأطفال وإدخال البهجة علي حياتهم ومحاولة إسعادهم وتقديم الهدايا إليهم.. كل هذا لا يكفي.. إنه يحدث في يوم واحد من كل عام والواجب أن يكون كل يوم في حياة الطفل عيدا, مليئا بالبهجة والسعادة والأمان والحماية. لا يكفي أن يجد كل هذه المعاني يوما كل عام, وإنما من الضروري بالنسبة له أن تكون كل طفولة بهذا الشكل.
والطفل هذه الزهرة الغضة اليانعة الطرية العود يخرج إلي عالمنا عجينة لينة تنتظر الأيدي التي سوف تشكلها. ومن الضروري بالنسبة للمجتمع وللأسرة أن تشكل هذه العجينة تشكيلا سليما خاليا من العقد والمنغصات والأحاسيس المرة. ولن يكون هذا التشكيل سليما إلا إذا توافرت للطفل حياة هنية وأجواء وبيئة معينة تكفل له الكثير من الأشياء.
وأشد ما يحتاج إليه الطفل الإحساس بالراحة والأمان. إنه يريد أن يشعر أنه يعيش في بيت أمين غير معرض للزلازل والاضطرابات في أي وقت من الأوقات. بيت تسوده المحبة والتضحية والإيثار وإنكار الذات ويسوده التفاهم بين أبويه اللذين يتطلع إليهما كما لو كانا شيئا عظيما شامخا ومثلا يحتذي. فإذا امتلأ البيت بالخلافات والمنازعات, وساده الكره والرياء تبلبلت أفكار الطفل وانتابه الخوف والقلق وحرم من أول شيء يحتاج إليه حقا.
والطفل يحتاج إلي أن يعيش طفولته وأن يشعر بالسعادة في هذه الفترة بالذات. إن الطفولة تعني التلقائية والجهل بالتعقيدات والنفاق والتزييف في التصرفات, وتعني الانطلاق والتعبير عن الذات واستكشاف الحياة والعناصر الجديدة التي يمتلئ بها عالم مجهول بالنسبة له ولكنه سحري وجميل. ويحتاج الطفل إلي أن نتيح له كل هذه الأشياء. نتيح له أن ينطلق ويعبر عن نفسه ويتصرف بعفوية جميلة ولا نعقده بمفاهيمنا نحن الكبار للحياة ونترك له حرية الاستكشاف والتطلع إلي العالم المجهول, وأن يمارس اللعب فهو الشيء الوحيد الذي يعرفه والذي يحبه في سن الطفولة. ومن الضروري أن يعيش الطفل في سنه بالضبط فإذا كان في الثانية عاش طفولة هذه السن وفي الثالثة أو الرابعة لا تستعجل دفعه إلي حياة الكبارومفاهيم وتقاليد وأماني الكبار, وسوف يتدرج الطفل تلقائيا وينتقل من الطفولة إلي الصبا إلي الشباب.
ويحتاج الطفل إلي الحب والرفاهية والاهتمام.. فمن المهم أن يشعر بأنه فرد محبوب ومرغوب فيه بين كل أفراد الأسرة. الكل يحبه ويرعاه ويهتم ويسعد بوجوده. وهذا الإحساس وحده كفيل بأن يسعد الطفل ويريح نفسه ويجعله يشب منطلقا غير منطو أو ممتلئ بالعقد النفسية. ومن الضروري أن يلقي الطفل الرعاية الصحية والنفسية والاهتمام في سني حياته الأولي التي لا يستطيع أن يعتمد فيها علي نفسه.
ومن الضروري أخيرا أن تتاح للطفل الفرصة حتي ينمي شخصيته ويبلورها إلي أن تظهر وتتضح دون كبت أو ازدراء أو استخفاف من جانب الوالدين أو أي فرد من أعضاء الأسرة أو خوف متزايد علي الطفل يحرمه من الاعتماد علي النفس والتعبير عن رغباته وتنمية اهتماماته.
ولكي نوفر كل هذه الأشياء للأطفال يجب أن تختفي الخلافات الزوجية عن الأطفال وأن تستقر الأسرة فلا يهددها شبح الانفصال والطلاق في أي وقت. وأن يتذكر الآباء والأمهات أن رعاية أطفالهم وسعادتهم أهم شيء في حياتهم.
ومن الضروري أن يكون الأب والأم علي جانب من الدراية بتربية الأطفال حتي يتمكنوا من أن يوفروا لهم الشروط الصحية جسمانيا ونفسيا.
ومن الضروري أن يفكر الآباء والأمهات مرة ومرات قبل إنجاب أي طفل حتي لا يأتي إلي الأسرة طفل غير مرغوب فيه أو مرهق لكاهلها فتضطر كارهة إلي إهماله أو القسوة عليه.
وفي ذلك الوقت فقط يمكن أن يكون للفظ الطفولة السعيدة معني. حينما يختفي الأطفال المشردون الذين بلا مأوي ويختفي الأطفال المنحرفون والمعقدون ويصبح الاحتفال بالطفولة وتخصيص يوم لها مظهرا مكملا لرعاية الطفولة وليس هو المظهر الوحيد للاهتمام بالطفولة.