كتبنا الأسبوع قبل الماضي, الحلقة رقم5 من سلسلة لعنة الكيف التي تتناول أزمات زوجات المدمنين, ومعانتهن, وتشريد أطفالهم, وسط جمود وعدم تعاطف البعض, الذين لا يستجيبون لمثل هذه الحالات بسبب عدم التعاطف مع المدمن, وللأسف تلك النظرة تمثل عقابا جماعيا, يطال المدمن وأسرته, وكل ذويه بينما تنتهي القصة دائما بمآساة للأسرة كلها, اللهم إلا إذا توفي المدمن بجرعة زائدة قبل أن يحدث لأحدهم عاهة أو يقتل أحدهم أو يحرقه, فتكون المآساة مضاعفة لكن في الحالة الأخيرة نحاول اللحاق به وبأسرته, لأنه يريد العلاج جاء حاملا حقيبته بيديه, مستعدا للتخلي عن لعنته التي ستذهب بحياته وأسرته.
إنه مكاري زوج أمل- الأسماء مستعارة- بطلة قصة الحلقة الخامسة التي نشرناها تحت عنوانالاغتصاب يطال الزوجات تحت تهديد الشبو, علي أثر زيارة أمل التي تصرخ مستغيثة من أفعال زوجها المدمن ولا مجيب. أمل ومكاري زوجان منذ عشر سنوات ولديهما ثلاثة أطفال, مكاري رجل أربعيني مستور الحال, لكنه أدمن علي يد شقيق أمل المدمن أيضا, نصحه أن ينسي وينتشي ليستطيع السهر والعمل وكسب المال, فتعاطي الترامادول, ثم الحشيش, ثم الشبو, يستنشقه ثم يبرح أمل ضربا يوميا, ويواقعها جنسيا رغما عنها, في مشهد يومي أقرب للاغتصاب وليس لديها منفذ للخلاص, بعدما تعذر علاجه منزليا من الشبو.
حينما تواصلت مع أمل في المرة الأولي قالت مقهورة:جوزي عاوز يتعالج لكن للأسف مفيش شكة ولا فلوس ولا افتقاد من الرعاة, بأقول لهم مش لاقية أكل وجوزي محتاج علاج, اللي يقول لي أنا مسافر واللي مايردش واللي مش فاضي, طيب أعمل أيه أنا مش طالبة فلوس أنا عايزة جوزي يتعالج علشان حياتنا تستقر, لو عندي حد يساعدني ما كنتش لجأت لأي مكان لكن أمي أرملة بتأخذ معاش الحكومة350 جنيه وتخبز عيش تبيعه للمحلات علشان تصرف علي أختي المريضة-مصابة بضمور عضلات- وإخواتي الصبيان بيشربوا نفس الهباب وخاربين بيوتهم برضة مش عارفة أروح لمين.
ووفقا لتقارير طبية, وكنا نشرنا من قبل, فإن مركبات مخدر الشبو هيالميثا أمفيتامين التي تعرف لأها منشطات شديدة التأثير وسريعة الإدمان, وتسبب حالة من الهلوسة السمعية والبصرية وتدمر القلب ونسبب انفجار شرايين المخ والجلطات وهو مخدر جديد, يطلقون عليه الشبو أو الكريستال ميث أو الآيس, معروف في بداية انتشاره بأنه كان لأولاد الأكابر فقط في مصر, حيث ارتفعت أسعاره بشكل جنوني في البداية, إلا أنه بعد ذلك أصبح في متناول الجميع, حتي اطلق عليهمخدر الشوارع يتسبب في جرائم اغتصاب والقتل والانتحار, طبقا لمحاضر مصرية رسمية كما يسبب تساقط الأسنان, وفقدان جزئي للذاكرة وضعف للمناعة.
استغاثت أمل بنا بعدما كلت من اللجوء لأحد الرعاة الذي قررأنه لن يساعد المدمنين, وطلبت مني التحدث إليه في نوع من الوساطة لكنه رفض ثم لجأت للدكتور إيهاب الخراط, استشاري الطب النفسي وخبير علاج الإدمان, ومؤسس ومؤسسة الحرية لعلاج المدمنين, الذي تعاطف مع الحالة وقرر تبنيها مجانا في أحد بيوت الحرية, أي بتوفير تكلفة واقعية حوالي عشرة آلاف جنيه شهريا شاملة العلاج والإقامة والرعاية, وما يسمي بـالديتوكس وهي عملية الإزالة الفسيولوجية للسمية من المواد المخدرة في جسد المدمن, وسحب المادة من دمه بالتدريج وتمثل فترة انسحاب المخدر من الجسم ليعود لتوازنه الطبيعي. وهكذا مد دكتور إيها الخراط يد العون وانقذنا ايمانا منه كما قال في كتابهالتعافي من الإدمان الجزء الثاني يجب أن نقدم فرص التعافي للمدمنين قبل التورط الكامل في الدائرة الإدمانية.
ولكن تبقي المصاريف الشخصية التي تتمثل في التدخين والشاي والقهوة وأي مشتريات منكانتين المكان لايتحملها دار العلاج فهي تقع علي عاتق الأسرة وتصل لحوالي35جنيه في اليوم, ولا تسمح أماكن علاج الإدمان بدخول أي من المأكولات أو المشروبات أو الحلوي من الخارج خوفا من دس المخدر فيها. فرحة بعرض د.إيهاب لعلاج مكاري مجانا عدت للتحدث إلي الراعي مرة أخري لكنه انتهرني قائلا:المنطقة كلها مدمنين مالناش دعوة بيهم ولا بعلاجهم, اشتكيني فقلت له نصا:اشتكيتك للعدرا في عيدها. ثم عدت للتواصل مع أمل, التي جاءت مصطحبة زوجها بحقيبة ملابسه يوم الاثنين الماضي لمقر الجريدة, وتواصلنا مع المسئولين في مؤسسة الحرية, وابدي مكاري ندمه وعجزه عن الانقطاع عن تعاطي الشبو بدون مساعدة المصحة, وخرج من الجريدة إلي المصحة مساء الاثنين الماضي, ومعه زوجته التي قامت بتوصيله إلي باب المصحة وتسليمه وخرجت من هناك تبحث عن عمل تعول أطفالها الثلاث منه, والتزم باب افتاح قلبك بالمصروفات الشهرية تجاه مكاري مؤمنين أن الله يبحث عن الخروف الضال وليس الخروف المستقر داخل الحظيرة وسيوفر لمكاري فرصة شفاء جسدي وروحي كريمة طالما كانت لديه الإرادة والرغبة في الشفاء.