ما أبدعه غاندي حين أصر علي أن يخصص يوما كل أسبوع يصوم فيه عن الكلام, فلا يخاطبه أحد, لأنه الصمت يجد خلوة يستطيع أن يفكر فيها دون أن يرتطم ذهنه بسؤال أو اعتراض أو اعتبار.
يقول الكاتب والأديب سلامة موسي في كتابه فن الحياة (إصدار مكتبة الأنجلو المصرية في أربعينيات القرن الماضي): لأننا نعيش في مجتمع لذا نجدنا منساقين في تياراته, آخذين بأساليبه, معتمدين علي قيمه وأوزانه, فتبرز في وجداننا حقائق العيش والكسب والوجاهة, ونعمي عن حقائق أخري أكبر قيمة وأعظم وزنا ونحن لا نحسن التفكير إلا في الخلوة بعيدا عن صخب المجتمع وضوضائه, والخلوة الهواية كلتا هما ضرورية كما نجد الاتزان النفسي والتأهل الفلسفي ونري أنفسنا. فالخلوة تنزعنا من هذا الموكب الذي نسير فيه أو بالأحري ننساق فيه, ذاهلين إلي موقف الوجدان والتردد والتأمل والتساؤل: هل نحن علي صواب أم خطأ؟.. هل عاداتنا ومألوفاتنا غمرت حياتنا حتي صرنا نعتبر العرف ناموسا أزليا والوضع القائم سنة مقدسة يجب ألا تتغير.
ويزيد سلامة موسي في تأملاته عن الخلوة: التأمل يرفعنا فوق كل الاعتبارات لأننا في تلك الحالة نفهم الفهم الموضوعي, فهم الوجدان والتعقل بدلا من الفهم الانسياقي الاجتماعي.
وكأننا بهذه الخلوة نأخذ من المجتمع إجازة كي نفكر وحدنا بلا تدخل.
وحول شروط الخلوة يقول: يحسن أن نختلي بلا كتاب أو جريدة ولكن مع ورقة وقلم كي ندون ما يستحق من أفكارنا الطارئة.
وما أكثر ما في حياتنا من مشكلات تطالبنا أن نخلو ونفكر: ما هو الدين؟ ما هو الكون؟ ماذا بقي لي من العمر؟ وماذا أنا فاعل به؟ هل حياتي الماضية أو الحاضرة يصح أن تستمر كما هي في المستقبل؟ أو هل يجب أن أتغير؟.
وإذا نظم كل منا خلواته وجعل لها ميعادا معينا ولو بضع ساعات فإنه دون شك سوف يهتدي لأساليب وأهداف ما كان ليصل إليها لو أنه استسلم وانساق في المجتمع.
فالحياة الاجتماعية من المؤكد أنها تحول دون التفكير المثمر وتشغلنا بالأكثر بتوافه وصغائر تتبدد بها حياتنا.
أما الخلوة فتجمع تفكيرنا في بؤرة وتفتح لنا نوافذ علي فضاء آخر قد نجد فيه ما نتغير به إلي الأحسن (انتهي الاقتباس), في الواقع كل منا يخلو بذاته من وقت لآخر ربما لساعة أو ساعات وفي أي وقت ومكان لكن إذا جعلنا الخلوة الذهنية أسلوب حياة وبميعاد ثابت في الأسبوع سوف يكون ذلك أفضل وأنفع, فالذهن الصافي من شواغل الحياة الاجتماعية قادر علي إنتاج حياة أنجح.