أعادت استراتيجية حقوق الإنسان المعلنة خلال الأسبوع الماضي, الروح للعمل الحقوقي في مصر, أعادت له الشرعية التي انتزعت منه بفعل التشويه, والانجراف خلف اتهامات سائلة, ناتجة عن شائعات مغرضة, عارية عن الصحة. روحا جديدة, يمكن لكل واع أن يشتم عبيرها في نصوص تنبئ عن ذهنية واضعيها, وتعلن بدء انفراجة طالما انتظرناها, لتؤسس وتكرس لشرعنة الصورة الذهنية الإيجابية عن العاملين في مجال حماية حقوق الإنسان, بعد أن تعرضت هذه الصورة لهزات عنيفة علي مدار عشرة أعوام مضت, تحالفت فيها قوي الفساد والعناد والأحقاد ضد كل العاملين بهذا المجال دون فرز أو تمييز, أو اعتبار لمصلحة الناس.
بالرغم من متانة النصوص الواردة في الاستراتيجية والمستندة إلي الدستور, إلا أن الخوف ما زال يتملكني من إمكانية التطبيق خلال السنوات الست القادمة, التي تم تحديدها كجدول زمني للتنفيذ, الحق في الخوف مشروع, وأنا خائفة, والخوف يدفعني لطرح تساؤلات مشروعة لكنها أيضا خائفة, ولنأخذ الشق الثقافي مثالا, كيف يمكننا تطبيق البنود الرائعة الواردة في الاستراتيجية فيما يخص حفظ الخصوصية, وكرامة الإنسان, وحقوقه السياسية, وتوعيته بها إذا كانت بعض الأبواق الإعلامية قد حرضت المجتمع خلال السنوات الماضية ضد كل من ينتمي للعمل الحقوقي, ونسجت صورة ذهنية سلبية, تنعت الداعي لحقوق الإنسان بأنه إما عميل أو خائن أو ممول, هذا يحتاج جهدا دءوبا وصعود المخلصين في هذا المجال إلي السطح مرة أخري, ليعلم الجميع أنهم ليسوا خونة ولا عملاء ولا ممولين. إن الإعلان عن سبل الوصول لصورة مغايرة من شأنه مساعدة المجتمع علي تخطي جدار الشك المشيد سابقا.
الشق الثاني, الخاص بالمساواة والعدالة, والمواطنة, كيف يمكن تنفيذه علي المستوي المؤسسي, وما زالت المستويات القاعدية في بعض المؤسسات الخاصة والعامة مخترقة بأفكار مشوهة أو متطرقة أو متشددة, رافضة لثقافة حقوق الإنسان وللآخر الديني؟ المساواة هي أن يحصل الجميع علي أنصبة متساوية من الفرص والحرية والكرامة والحماية والرعاية, بغض النظر عن الفروق الفردية, بينما العدالة هي أن يحصل الأشد ضعفا وهشاشة ـ سواء بسبب الطبيعة أو العدد علي القدر الكافي من الحقوق الذي يرفعه إلي مرتبة المساواة. وهنا أتحدث عن أكثر من فئة تحدث عنها الدستور تواجه ثقافة الفرز في المجتمع, وهو ما يتطلب الحصول علي قدر أكبر من الفرص علي كافة المحاور, وهو ما ينبغي معه تنقية التشريعات من بعض الثغرات التي يتم استخدامها أحيانا ضد مبدأ المواطنة والمساواة.
كما يمكن تنفيذ كل ما سبق وما زال الخوف يتملك البعض من الإفصاح عما يوجعه أو يعانيه, من تنكيل من قبل الذين دأبوا علي إهانة المواطنين وإهدار حقوقهم, ولن يكون انصياعهم للتجديد سهلا؟ والخوف ذلك الحق الوحيد الذي يمارسه الناس دون إفصاح كيف يمكن ضبط نفوس البشر؟ نحن نحتاج ضمانة لتطهير العقول, لإعادة تأهيل المجتمع ثقافيا لممارسة ثقافة حقوق الإنسان من جديد.