أنطون سيدهم .. ومشوار وطني
أنطون سيدهم .. والقضايا الاقتصادية
في يوم الاثنين الماضي 1990/7/16 أصدرت محكمة أمن الدولة العليا حكمها ببراءة المتهمين في قضية رشوة الصناعة الكبري من التهم المنسوبة إليهم بعد إعادة محاكمتهم. وكان قد صدر الحكم ضدهم في 1987/8/12 بعد أن قبض عليهم في 1986/2/16, وقد قبلت محكمة النقض الطعن المقدم منهم وحددت دائرة أخري لنظر القضية في شهر أكتوبر الماضي واستمرت الجلسات حتي قضت المحكمة ببراءتهم, وقالت في أسباب حكمها: إن جريمة الاتفاق الجنائي لا أساس لها في هذه الدعوي وأنه لا عقاب علي النوايا مادامت لم تنفذ ولم تتخذ أي مظهر خاطئ وبذلك تنهار التهم.
نعم لقد أسدل قضاؤنا العادل الستار علي هذه المأساة المؤلمة التي استمرت أربع سنوات وخمسة أشهر, قضي منها أغلب المتهمين سنة ونصف في غياهب السجن ومحاكمات طويلة, ومعاملة لا تتسم إلا بالشذوذ والعنف والإرهاب.
إن الطريقة التي تم بها القبض علي هؤلاء المواطنين, والتشهير الفظيع بهم في الصحف والمجلات, والصور المخجلة التي نشرت لهم في جميع وسائل الإعلام, والتفتيشات الإرهابية التي جرت لمنازلهم ومكاتبهم, والمؤتمرات الصحفية التي امتلأت بالاتهامات والتشنيعات جعلت قلوبنا تدمي من أجل أحباب وإخوة أعزاء, لقد بلغ الحقد والامتهان لإنسانيتهم إن كانوا يقودون المتهمين في شوارع القاهرة من دار القضاء العالي حتي مقر النيابة مكبلين بالأغلال لاستعراضهم في الشوارع أمام الجماهير, وعندما عاتبت أحد كبار المسئولين علي هذه المعاملة القاسية, ضحك ضحكة صفراء واعدا بالنظر في هذا الأمر.
حتي المصوغات والمجوهرات العائلية والموروثة من الآباء والأجداد استولي عليها واتخذت أداة للتشهير والتشنيع وخرجت صورها في الجرائد بتعليقات مذرية. ومن المؤسف أن خرجت الصحافة المصرية كلها وعلي رأسها الأهرام والأخبار بأكبر حملة تشهير بالمتهمين الأبرياء يوميا وعلي مدي شهور وأثناء المحاكمات مما أساء إساءة بالغة بهؤلاء الأبرياء وبسمعتهم.
لقد تألم الآلاف لما حدث للأخ الحبيب والصديق العزيز المهندس عدلي أبادير للمعاملة السيئة والشاذة التي عومل بها, هذا الرجل الذي أعطي لمجتمعه الكثير والكثير جدا من جهده وماله, كم ساعد وكم تحمل عبء المحتاجين والمرضي وهو فرح مسرور ناكرا ذاته ورافضا ذكر اسمه, كما شارك في العمل الاجتماعي بمبالغ طائلة تحت أسماء مستعارة حتي لا يعرف أحد عطاءه. إني أعلم أنه سيغضب لذكر هذه الحقيقة الناصعة ولكن يجب أن أضع الحقيقة أمام الجميع, هذا الرجل النادر المثال عومل بهذه القسوة والمهانة التي لا يتصورها مخلوق.. إن قلوبنا كانت تتفتت حزنا وألما علي هذا الموقف الذي لم نكن نتصور أن يعانيه هذا الأخ الحبيب, إن عشرات الآلاف كانوا يصلون إلي الله بلجاجة طالبين إظهار براءته ورفع هذه التجربة القاسية عنه, كما أنه وهو في أشد أيام التعذيب النفسي والتشهير والاضطهاد لم يهتز إيمانه بالله وببراءته شعرة واحدة ولا قيد أنملة.. فكان دائم الابتسام والتفاؤل.
إننا نسجد لله شكرا علي إظهاره للحق بهذا الحكم كما نقدم خالص التهاني القلبية الصادرة من عميق النفس إلي الأخ الحبيب والصديق العزيز المهندس عدلي أبادير, راجين من الله الصحة ودوام التوفيق في كل خطواته.