ثم نسألكم أيها الإخوة أن تعرفوا الذين يتعبون بينكم ويدبرونكم في الرب وينذرونكم, وأن تعتبروهم كثيرا جدا في المحبة من أجل عملهم. سالموا بعضكم بعضا. ونطلب إليكم أيها الإخوة: أنذروا الذين بلا ترتيب. شجعوا صغار النفوس, أسندوا الضعفاء. تأنوا علي الجميع. انظروا أن لا يجازي أحد أحدا عن شر بشر, بل كل حين اتبعوا الخير بعضكم لبعض وللجميع. افرحوا كل حين. بلا انقطاع. اشكروا في كل شيء, لأن هذه هي مشيئة الله في المسيح يسوع من جهتكم. لا تطفئوا الروح. لا تحتقروا النبوات. امتحنوا كل شيء. تمسكوا بالحسن. امتنعوا عن كل شبه شر
(الرسالة الأولي إلي تسالونيكي 5:12-22)
لا تطفئوا الروح
نار الروح القدس لا تهدأ حتي تأكل الخطية وتحرقها, كما قال إشعياء النبي إنه روح الإحراق (إش4:4), ولكن إذا تركت الخطية والعداوة لتبيت في القلب انطفأ عمل الروح القدس في الإنسان وبردت المحبة وأظلم الطريق وتاه الإنسان عن مقصده, فيسير ولا يعلم إلي أين يسير..
انطفاء الروح:
هنا نسأل لماذا تنطفئ أحيانا الروح في الإنسان؟
إن لهذا ثلاثة أسباب, وهي:ـ
أولا: محبة الماديات
إن الإنسان المادي عندما يريد أن يحقق ذاته قد يسعي لذلك عن طريق امتلاك بعض الماديات, مثل جمع المال واقتناء الممتلكات أو الشهرة.
ومحبة الماديات في الأصل هي محبة للذات, فالماديون يحاولون أن يربحوا العالم حتي لو خسروا أنفسهم, يجمعون المال علي حساب سلامتهم الروحية والنفسية, ويبنون علاقاتهم علي المصالح, لا علي المحبة, ويسعون لتحقيق مكاسب شخصية من وراء علاقاتهم, ولأن علاقاتهم قائمة علي المكاسب فيكثر بينهم الحسد والخصام والتحزب والانشقاق والتعصب, والذي يحب الماديات هو إنسان أناني أو مادي أو إنسان نرجسي, وبتعبير علم النفس إنسان محب لذاته.
والإنسان النرجسي, كما تقول الأساطير اليونانية: إنه إنسان أحب شكل وجهه فبدأ يذهب إلي النهر ويجلس أمامه أوقاتا كثيرة, لكي ما يري وجهه علي صفحة الماء للدرجة التي بها عشق وجهه, فاستمر جالسا أمام الماء حتي مات وهو علي هذا الحال.
فمثل هذا الإنسان لا يستطيع أن يري في الوجود غير ذاته فقط, فمحبة الماديات والمكاسب والمصالح الشخصية تطفئ نار الروح التي بداخله, وصعب عليه أن يهتم بأبديته وحياته مع الله.
مثال.. شاول الملك:
طلب صموئيل النبي من شاول الملك أن يحارب عماليق كأمر الرب ويقضي عليه, لأنه شعب شرير, فلا يستبقي منهم أحدا, ويقتل كل ما يتعلق بهم.
وبالفعل حارب شاول عماليق, وانتصر عليهم, وأسر عجاج أكبر ملوك عماليق, وقتل كل الشعب بحد السيف, ولكنه خالف أمر الرب بتحريم كل شيء, ولم يقتل عجاج كما كان متبعا قديما, لكي ما يفتخر أنه قد أسر ملكا عظيما كأجاج, وأيضا احتفظ ببعض الغنائم وهذا أيضا مخالف لوصايا الرب, وهذا يظهر مدي انشغاله بالماديات والممتلكات أكثر من طاعة الله, فذهب إليه صموئيل ووبخه بسبب غضب الله علي أفعاله.
وقال له هذه العبارة المشهورة: هوذا الاستماع أفضل من الذبيحة والإصغاء أفضل من شحم الكبش (1صم15:22), بمعني أن الطاعة أفضل من تقديم الذبيحة, وعندما أراد صموئيل أن ينصرف من أمام شاول هم شاول باللحاق به معتذرا, فجذب صموئيل من الجبة (ردائه الخارجي) فتمزق ذيل الرداء, فقال له صموئيل: يمزق الرب مملكة إسرائيل عنك اليوم ويعطيها لصاحبك الذي هو خير منك (1صم15:28). إن الشيطان دائما ما يحاول إغراء البشر بالماديات في كل يوم بصور متنوعة, لذلك افحص قلبك لئلا يكون متمسكا بالماديات بصورة مزعجة, وهناك مثل لاتيني يقول: الكفن ليس له جيوب, فالإنسان سيخرج من هذا العالم وليس معه أي شيء, كما يقول الكتاب: عريانا خرجت من بطن أمي, وعريانا أعود إلي هناك (أي1:21).
ثانيا: الشهوات
هناك بعض الناس لا تلتزم بالقيم التي تحكم غرائزها, وتشبه البهائم في التعبير عن غرائزها, فتسيطر علي البعض, فمثلا الشهوات الجسدية تقف علي قمتها شهوة الأكل, فأكثر الأمراض انتشارا في العالم الآن هو مرض السمنة فهو يمثل 20% من سكان مصر, فهناك من لا يكف عن التفكير في الطعام طوال الوقت, ويقضي أوقاتا طويلة في الحديث عن الطعام, كما يوجد من يسرف في الإنفاق علي الطعام.
وشهوات الجسد كثيرة جدا ولها صور عديدة, وأحيانا الشهوة تتحول إلي صورة من صور العنف, مثل الشخص البلطجي, حيث أنه يفتخر بعمله هذا!
وهناك البعض من أجل إشباع شهوتهم الجنسية يتخلون عن الكثير من القيم في مقابل تحقيق نزواتهم, وبالتالي تضعف الشهوة إرادتهم.
فسواء كانت هذه الشهوات: جسدية أو جنسية أو شهوة طعام, أو شهوات لشراء أشياء كثيرة.. إلخ, فكل هذ الشهوات تجعل روح الله العامل في الإنسان ليس متوهجا.
مثال.. شمشون الجبار
كان لا مثيل له في القوة في زمنه, وكان يتباهي ويفتخر بهذه القوة, كما كان قاضيا لإسرائيل, وكان نذيرا للرب ولكن بسبب الشهوة أذلته امرأة خاطئة وهي دليلة, فعرفت سر قوته ووشت به, حتي سقط بين أيدي أعدائه فقالت دليلة لشمشون: أخبرني بماذا قوتك العظيمة وبماذا توثق لإذلالك؟ (قض16:6), وكانت النتيجة أنه فقد نذره والرب تركه.
ثالثا: الفلسفات المجردة
إن كلمة فلسفة لها معني جميل جدا, وهو محبة الحكمة وهذا شيء رائع, ولكن توجد طائفة من الفلاسفة لهم فلسفات مجردة, تصل بالإنسان إلي إنكار وجود الله والإلحاد, وأحيانا تصل به إلي الأفكار الشاذة.
علي سبيل المثال عاشت البشرية منذ أن خلقها الله في أيام آدم وحواء لا تعرف إلا شكلا واحدا للزواج وهو الزواج بين رجل وامرأة, أما الآن فبدأت تظهر صيحة جديدة وهي الزواج المثلي, وبدأ يحدث نوع من الضغط علي بعض الحكومات للاعتراف بهذا الزواج, وللأسف أخذ هؤلاء الشواذ علامة قوس قزح التي هي علامة مقدسة أوجدها الله في الكتاب المقدس واعتبرها علم الزواج المثلي أو الشواذ.
ولا نعلم كيف استطاعوا أن يصلوا إلي هذا الفكر الغريب, وهذا هو أحد أنواع الفلسفات التي تطفئ الروح, ولكن توجد أيضا فلسفات روحية عميقة, فمثلا نطلق علي القديس بولس الرسول أنه أحد الفلاسفة الروحانيين أو فيلسوف المسيحية.
ولكم أن تتخيلوا كيف سيصير العالم إن أصبح فيه هذا النوع من الزواج المثلي, فظهور مثل هذه الفلسفات والمذاهب, وبعض الموضات الحديثة التي أصبحت تظهر الآن كثيرا هي التي تطفئ روح الله.