تتبدل الأدوار الوالدية يتحول الأب من مسئول إلي عالة, من حام إلي محم,من سند إلي عوز,حينما يصير الابن والدا لأبويه تنطلق لعبة الأدوار التي لا تنتهي إلا برحيل الكبار, ويا لها من لعبة مؤلمة بنهايات موجعة تشتد وجعا وإيلاما حينما يكون الوالدأرزقيا حينما تغادر القوة جسده, ويفر الشباب من سواعده وتنفذ الشيخوخة إلي عظامه فتقعده عن أي عمل أو نشاط, يصبح الوالد مسئولية علي أكتاف الأبناء,إنها سنة الحياة.
من منا لم يجربها؟ لا أحد لكن ذلك الألم المختزن عبر رحلة المعاناة هو الرصيد المصان في خزان الإرادة من أجل البقاء.
دخل جرجس ذات اللعبة. إنه شاب طموح في رضا, متواضع في عزة نفس, يجاهد في الحياة من أجل تكوين أسرة صغيرة, لكن الأقدار تعانده ليس لديه والدان يساندانه في نفقات الزيجة ولا أقارب يقرضونه ما يحتاج لإتمام زفافه, فهو ابن لأسرة فقيرة والده رجل مسن كان يعمل نقاشا فلا تأمين له ولا معاش, والدته ربة منزل أخواه عمال أمن,كل منهما بالكاد يكفي نفسه هو الوحيد الحاصل علي مؤهل عال بين إخوته.
اجتهد حتي حصل علي وظيفة في إحدي الشركات, ينقضي اليوم بين الأوراق والمهام, من الثامنة صباحا وحتي الخامسة يصل إلي منزله في السابعة مساء, لينتهي اليوم عند هذه النقطة فلا يتمكن من ممارسة أية مهنة إضافية أخري متواضع الروح, ليس عن صغر نفس وإنما عن يقين وثقة في مشيئة الله التي صنعت من ظروفه ضفائرا للمعاناة لكنها لم تترك بصمتها علي كتلة الرجاء في قلبه.
تخطي الثالثة والثلاثين من عمره ارتبط بفتاته منذ عامين وقام بتأجيل زفافه ثلاث مرات بسبب ضيق ذات اليد, ورغم اجتهاده الشديد وتدبيره لأموره حتي تمكن من تدبير مسكن وتشطبيه, إلا أنه وقف عاجزا قبل موعد الزفاف للمرة الرابعة, فالاتفاق بين أسرته وأسرة العروس علي أن يتحمل تكلفة خشب المطبخ والأجهزة الكهربائية, لكن تشطيب المسكن التهم كل دخله ومدخراته وما باليد حيلة, فأسرته تتبع كشوف إخوة الرب, ولا معين سوي الله, ومن المعروف أن كل الجهات تساهم في زيجات الفتيات بينما ترفض المساهمة في مسئوليات الشباب علي اعتبار أن الشاب يستطيع تحمل مسئولية زيجته.
رغم إنها وجهة نظر تستحق الاحترام فيما يخص الهدف من تشجيع الشباب علي الاعتماد علي أنفسهم لخوض المستقبل, إلا إنها مجحفة لبعض الحالات, فالعريس يتحمل معظم نفقات تجهيز المسكن, والشباب الذين ليس لديهم من يساندهم لا يمكنهم عبور محنة الزواج إلا بدعم محبيهم وإلا سيعبرون محنة سن اليأس دون رفيق ولا ونيس يقتاتون الفقر والوحدة, فمحنة الزواج هي المسئولية التي تمنح الروح للحياة الوقود اللازم لشحن خزان الإرادة وإطلاق الطاقات.
لكل إنسان الحق في الزواج في سن مناسبة, لكن من أين للفقراء الحصول علي هذا الحق, فالفقر لايعرف جنس الإنسان ولا يفرق بين الذكر والأنثي ومن يرثون العوز يتوارثونه لأنهم خرجوا من عائلات فقيرة تلك هي إمكانياتها فكيف نطالبهم بالقدرة علي الوفاء بما يفي به القادرون؟
جرجس أحد ضحايا تلك النظرة التي تعتمد الضعف في الفتاة بالنظر لنوعها الاجتماعي وتفترض القدرة في الشاب لمجرد أنه ذكر يستطيع عمل أي شيء للحصول علي المال, فهل هذه النظرة منصفة؟ فلنفكر قليلا من منا لم يشارك في زيجة ولده؟ ليقر عينه بحفيد أو حفيدة قبل الرحيل؟ من منا علي استعداد لتزويج ولده بعد سن الخامسة والثلاثين؟ وفي أي عمر سيكون الوالدان حينئذ؟ ورغم أنها أمنيات تتعلق بالحالة المادية, إلا أنها أمنيات مشروعة حتي للمحتاجين من حق الشاب الارتباط في سن تسمح له بالإنجاب وممارسة حياته في مراحلها السليمة, لأن العكس لن ينتج إلا مزيدا من معاناة لأسرة جديدة وأطفال جدد.
ولنا مثال في جرجس الذي علي مشارف فك خطوبته بعد محاولته تأجيل الزفاف للمرة الرابعة, لأنه أنفق واقترض وما زال لا يملك ثمنحشب المطبخ, والسخان, والثلاجة الرد سهل جدا من لايملك لايتزوج عليه الانتظار لحين الادخار هذا الرد القاسي لم يكن من إنتاج خيالي ولكنني استمتعت إليه من بعض المعارف.
أصابني الذهول أية قسوة تلك التي تحكم علي شاب بالمجازفة بفك ارتباطه؟ والقضاء علي حبه وحلمه بسبب بضعة آلاف من الجنيهات التي لن تتعدي العشرين ألف جنيه, جرجس يطلب قرضا لكننا لا نعتمد القروض جاء والرجاء يملأ عينيه قائلا: لا أريد التسول ولا الدعم وإنما فقط مبلغا علي سبيل الافتراض, سوف أفقد عروسي وحبيبتي والدها رفض التأجيل وقد استنفذت كل سبل فضلا عن أن التأجيل, يضيف مزيدا من الأعباء وغلاء الأسعار ورد ما تم اقتراضه انسدت كل الطرق ليس أمامي سواكم.