كالعصفورالمربوط بخيوط الأرض, مشدودا نحو السماء بعينيه, مقيد الجناحين, مثل فروع الأشجار العطشانة بين حقول مروية, في زمن الربيع, يغريها شبق الأزهار, ويطفئها الحرمان المجاني, كالجسد المنزوع منه نصف روحه, يحيا بنصف روح, هكذا النساء اللواتي انتزعت منهن الكرامة في العيش مع أزواج نالوا منهن, قدر ما نالت منهن الأقدار وربما أكثر.
ماجي الشابة المتألقة التي تزوجت حبيبها, كافحت في الحياة ثم كافحت ضدها الحياة معه, روت مرارا معاناتها لكنها أبدا لم تيأس إلي أن جاءتني, كالنازحين من الخراب للنجاة, باكية شاحبة, يشق صدرها سعال مرعب, بدأت تروي وبين الحروف دموع الجوع للحب والعطف, ولهفة المحروم علي الكلمة الطيبة, وأنين الحسرة علي سنوات الشباب التي انقضت مع الاختيار الخطأ قالت:
قريبا لن تستقيم الأمور سوف أقيم دعوي خلع, أعلم أن البعض يلومني, لكن لا تلوموا الضحية علي أفعال الجناة, فماذا أفعل وأنا وحيدة, مهملة, مريضة, مسئولة عن ابن وابنة في سن المراهقة ليس لدي مورد ولا حماية, أعمل قدر طاقتي, لكن ما من مال يكفي لسداد كل الالتزامات.
أما نصف روحي الذي قايضت الزمان به عن أهلي وناسي, وتحديت الجميع بصلاحه ورجولته, غرس في جنبي خنجرا من الغدر, وفي قلبي غابة من الخيانات المتكررة, انتزع نصف روحي التي قايضت بها, وألقاها في ممشي الوحل, تدوسها الأقدام الدنسة, فلم يتبق إلا نصف روحي مع ولدي وابنتي, فصرت أشكو نصف روحي لنصف روحي, ولا أعلم ماذا أفعل, حملتهما فوق طاقتهما لكنني مجبرة فعلت ذلك, بعد أن تركنا جميعا مفضلا ذاته وملذاته.
لم آت إلي هنا إلا لأنني مصابة بكورونا والتهاب رئوي, صدري يتمزق أحتاج لرعاية طبية, ونفسية, أما هو فيسكن بمفرده بعد أن قام بطردي من منزل الزوجية, نعم طردني, ولمن يتساءل الآن لماذا؟ استعد للمفاجأة.
لأنه خائن, مغرور, يريد الحرية مع الخيانة, يستكثر علي زوجته أن تثور لاكتشافها, يخبئ أمواله التي يتحصل عليها بفعل خداع الزوجات من نفس نوعيته, والأرامل والمطلقات, والعانسات, ويرفض الإنفاق علي ابنه وابنته.
حينما واجهته, قال لي: أنا كدة لو كان عجبك, ومش هاتغير ولو مش عاجبك أمشي.
يبدو أنه الفخ الذي سقطت فيه, رحلت واستأجرت سكنا صغيرا بعيدا عنه, لضمان السلام النفسي لابني وابنتي, فهما في مرحلة عمرية حساسة جدا, خشيت عليهما من دوامة الأب المنحرف المتخلي, ظننت أن رحيلي سيؤدبه, فلم يتأدب, وخلت أن فراقي سيعيده, ولم يعد, خلت أنني أستطيع العودة إليه رغم الإهانات والضرب والخيانة والبخل, لكني لم أعد, ولن أعود.
ذلك هو السرد السريع لقصة ماجي الشابة المهذبة خادمة الكنيسة التي يحلف الجميع بأخلاقها, التي لم تتصور يوما أنها تصل بعد سنوات طويلة لهذه النتيجة.
في البداية لم أشجعها علي رفع دعوي خلع لأنها الطريقة الوحيدة التي تمكنها من الطلاق لاحقا, لكن بعد تطور الأمور بينها وبين زوجها وتخليه المستمر عنها معنويا وماديا, ونشوء تفاصيل لا يمكن سردها, فيما يخص تعدد علاقاته, أعتقد أنها لم يتبق أمامها سوي البحث عن التطليق, عبر الآلية التي توفرها الكنيسة, لكن الإشكالية لديها أنها لا تريد وصم ابنتها بوالد زان, ففتح ملف تطليق في الإكليريكية, يترتب عليه إثبات واقعة الخيانة, ورغم أنها تملك كل الإثباتات إلا أنها تتردد في خوض رحلة الوصم!.
وأنا أيضا, أوافقها في عدم خوضها فما ذنب الابن والابنة في كل ما يجري, ولماذا لم يتم التطليق بعيدا عن وصم الزنا, والكل يعلم ما يجنيه الأبناء بسبب هذا الوصم, خاصة عند الارتباط وتكوين أسرة, يقف الملف حائلا بين حسن سمعة الأسرة وبين الارتباط بالشريك المختار أحيانا.
تتكرر هذه القصص يوميا لكن ما يثير التعجب, أن ذلك الزوج لم يطلب رؤية ابنه وابنته, ولا التواصل معهما, بل ويعتبرهما همزة وصل يريد قطعها, إنه فقد الشعور الغريزي الأبوي, أعماه الغرور وغياب الضمير ظنا منه أن حياته ستظل هكذا بلا مرض ولا طوارئ ولا أزمات ولا احتياج, إنه الجبروت الذي يدفع الروح أن تتخلي عن نصف الروح, ذلك إن كانت حقا نصفها يوما ما.