نشر بتاريخ 1994/12/4
أنطون سيدهم.. والسياسة الداخلية
كأنه كتب علي مصر أن تتخلف بفعل حكومتها وإداراتها المختلفة, وقد أدي هذا إلي فقدانها الكثير من الأموال التي تبلغ المليارات من الجنيهات بجوار الأرواح التي أزهقت, والثروات التي ضاعت علي البلاد, بل وتخلف البلاد صناعيا واقتصاديا, وتقهقرها إلي بلاد العالم الثالث الفقيرة المتخلفة البائسة ومديونياتها التي أراقت ماء وجهها مع الدول الأجنبية للتنازل عن جزء منها, وحالة الضنك التي يعيش فيها هذا الشعب المطحون بسبب الإصلاح الاقتصادي بسبب إهمال واستهتار وتهاون حكومته وإداراتها المختلفة في العمل بجدية وإقدام, وكانت النتيجة وبالا يتحمل نتيجته المواطنون الغلابة منهم, وهم الأغلبية العظمي.
في حوالي سنة 1985 خرجت علينا الصحف بأخبار في الصفحات الأولي بأنه قد تم القبض علي أحد رجال الأعمال وهو وكيل إحدي الشركات الألمانية الكبري لاتهامه بتقديم رشاوي لكبار وزارة الصناعة وقبض في نفس الوقت علي وكيل الوزارة وعدد من كبار موظفيها للتحقيق معهم في هذه الواقعة الخطيرة, وهي الاتهام بتقديم رشاوي للحصول علي عطاء إنشاء مصانع الورق بالقوصية وابتداء التشهير بالمقبوض عليهم وعلي رأسهم رجل الأعمال, وهو رجل فاضل وأحد رجال الأعمال الكبار في سويسرا وله أياد بيضاء علي كثير من المشروعات, كما أنه من عائلة كريمة ثرية, وقام رجال الأمن بتفتيش مكتبه ومنزله واستولوا علي مجوهرات والدته وزوجته والتي هي ابنة أحد أثرياء مصر ومن أكبر تجار القطن سابقا, واستولوا علي كل متعلقاتهما وأخذت الجرائد في التشهير ونشرت جريدة الأهرام الحكومية في الصفحة الأولي صور المجوهرات المستولي عليها, واستمر حبسهم حوالي السنتين أثناء المحاكمة, وتوفي أثناءها علي سلم المحكمة, وكيل الوزارة, وأخيرا حكمت محكمة النقض ببراءة جميع المتهمين, وهكذا قبر مشروع مصانع السكر بقوص, وبعد تسع سنوات يحاولون إنشاء هذه المصانع بأضعاف مضاعفة عن تكلفتها المقدمة في سنة 1985, وقد خسرت بذلك البلاد مليارات سواء في تكاليف إنشاء مصانع الورق وكذا في تكاليف استيراد ملايين الأطنان من الورق مما كلف الخزانة مئات الملايين من العملات الصعبة التي كانت البلاد في مسيس الحاجة لها, وهذا بخلاف استمرار ارتفاع أسعار الورق بالخارج حتي بلغ الآن أسعارا فلكية يتحملها المستهلك وهي خسارة علي البلاد.
في أوائل العقد السابع من هذا القرن قدم الأستاذ الدكتور المهندس أحمد محرم مشروع كوبري الأنفاق مبينا أن البلاد ستكون في مسيس الحاجة إليه في السنوات القادمة لزيادة ازدحام حركة النقل بالقاهرة, وهو الحل الوحيد لتكدس الشوارع بسيارات النقل العام والسيارات الخاصة, وقد أهمل المشروع كلية ووضع بالأدراج بدون تمحيص أو مناقشة, وبعد مضي خمسة عشر عاما تقريبا, وجد أن شوارع القاهرة مكدسة بحركة المرور والاختناق مستمر وخصوصا في ساعات الذروة مما اضطر الحكومة لدراسة هذا المشروع وتم طرحه في عطاء عالمي ورسا أخيرا علي إحدي الشركات الفرنسية وتكلف مبلغا جسيما زاد علي المليارات العديدة من الدولارات والجنيهات المصرية, وهذا عن تنفيذ جزء من المشروع فأدي إلي حل مشكلة المرور في بعض مناطق العاصمة فقط, وبعد مضي حوالي الخمس سنوات ازداد تكدس الأتوبيسات والسيارات في القاهرة خصوصا وسطها مما استوجب تنفيذ جزء آخر من المشروع والذي مازال في حيز التنفيذ سيتكلف المليارات الأخري من الدولارات والجنيهات المصرية, وهكذا يدفع الشعب المصري المسكين بسبب إهدار الحكومة للفرص, وهناك الكثير من هذه الفرص الضائعة والتي سنتولي الكتابة عنها في العدد القادم بإذن الله.