منذ قيام ثورة 1952, والحديث يطول أحيانا ويقصر أحيانا أخري عن دور الأقباط في حكم مصر, فطوال هذه المدة فإن تمثيل الأقباط في المجالس النيابية. مع ما هو معروف أنها مجالس تمثل الحاكم أكثر منها ممثلة للشعب, فإن تمثيلهم فيها كان يسير حسب رغبة الحاكم. سواء من حيث الكم أو من حيث الكيف, فتارة كان عددهم لا يتجاوز عدد أصابع اليدين, كما أنهم من حيث النوعية ففي الغالب ما كان يختارهم الحاكم من المطاوعين الذين كانوا أداة للتصفيق والهتاف له, سواء أصاب أم أخطأ, وفي النادر ما ظهر من بينهم أحد من الشخصيات اللامعة.
في الحقيقة والواقع فإن تمثيل الأقباط في المجالس النيابية التي ظهرت واختفت في العهود الماضية كان تغطية للمظهر ليس إلا, أو بمعني أصح علي سبيل المثال الديكور, وقد يقول البعض في أن تلك المجالس نفسها لم يكن لها أية فاعلية وكانت هي نفسها لتغطية مظهر ديموقراطي لا وجود له. أي أنها كانت أيضا ديكورا لا معني له, في وجود النظام الشمولي أو نظام الحزب الواحد.
ثم ظهر النظام النيابي المتعدد الأحزاب والذي تسير عليه مصر حاليا, كان الأمل أن يكون للأقباط دور واضح في هذا النظام من خلال هذه الأحزاب, وأن يكون لهم دور فعال متعاونين مع إخواتهم المسلمين في النهوض بالبلاد وخدمتها خدمة جادة وفعالة في السنوات العجاف, ولكن خاب ظننا, فلم يمثل الأقباط في قيادات هذه الأحزاب إلا عدد قليل لا حول لهم ولا قوة. وليس لهم أي دور في اتخاذ القرار, حتي الأقباط الذين وصلوا إلي الكوادر العليا في الحزب الوطني الديموقراطي, وهو الحزب الحاكم, فهم أيضا علي سبيل الديكور, فلا رأي لهم ولا فاعلية, وقد يقول البعض إن هذه الكوادر بأكملها مسلمين وأقباطا لا أهمية لرأيها. وأن القرار الفعال هو في يد بعض قلة من النخبة الحاكمة, ولكن حتي هذه النخبة فلم يكن من ضمنها في أي وقت من الأوقات قبطي واحد ـ والحال كذلك في باقي الأحزاب.
لقد برر البعض هذا الاستبعاد للأقباط من المعترك السياسي الفعلي لمصر بأنه بسبب تقوقع الأقباط وابتعادهم عن الاشتراك في الحياة السياسية, في الحقيقة أن هذا القول غير صحيح لأن الأقباط علي اختلاف فئاتهم اشتركوا في جميع الأحزاب القائمة علي اختلاف مبادئها, وفيهم الكثير من الشخصيات المفكرة واللامعة, وذات الركيزة الشعبية القوية, ولكنهم بكل أسف وجدوا أنفسهم مستبعدين من المراكز القيادية في هذه الأحزاب, بل واستبعدوا أو أهملوا عند اتخاذ أي قرار. ومن هذا يتضح بكل جلاء أن المسألة ليست في تقوقع الأقباط بل هي روح عامة في الأحزاب في التغاضي عن التعاون معهم معاونة فعالة وكاملة.
إن تمثيل الأقباط في مجلس الشعب ومن خلال جميع الأحزاب لا يتجاوز عدد أصابع اليدين من جملة الأعضاء وعددهم 448 عضوا, وهو عدد ضئيل اختير لذر الرماد في العيون .
كما أن ما ظهر في ترشيحات الأحزاب لمجلس الشوري لهو الدليل كل الدليل علي ذلك, فإذا أخذنا الحزب الوطني الديموقراطي, وهو الحزب الحاكم وأكبر الأحزاب المصرية تمثيلا في مجلس الشعب, نجد أن من بين مرشحيه لمجلس الشوري المائة والثمانين واحدا فقط قبطيا, إني حسب معلوماتي فإن هناك الكثير من الأقباط أعضاء في الحزب المذكور في طول البلاد وعرضها فهل لم يجد الحزب من يستحق الترشيح في الدوائر المختلفة إلا هذا العضو الوحيد.. ألم يكن أشرف للحزب الوطني أن يمتنع عن ترشيح أي قبطي مسفرا النقاب عن حقيقة سياسته التي يسير عليها, كما سبق وظهر من تمثيل الأقباط بمجلس الشعب بعدد ضئيل.
إني أؤكد أن الأقباط يهمهم جدا أن يشتركوا في خدمة بلدهم الحبيبة جنبا إلي جنب مع إخوانهم المسلمين في جميع المؤسسات الدستورية, والمواقع الوطنية, متفانين ومضحين وباذلين كل جهد للوصول إلي الأهداف السامية التي يبتغيها الجميع لازدهار الوطن وتقدمه, ولكن إذا ما استبعدوا وأهملوا من إشراكهم, فإنهم يسكتون ويصمتون علي هذا الغبن.
علما أن الماضي علمنا أن تعاون عنصري الأمة في تسيير أمور مصر أتي بالخير الكثير والازدهار الرائع لهذا الوطن الحبيب, وما الفترة من سنة 1919 إلي 1940 إلا خير دليل علي ذلك حين وصلت إلي ديموقراطية مشرفة ومركز اقتصادي قوي وسليم, نتيجة لتضافر جهود المسلمين والأقباط معا في العمل الجاد المخلص من أجل مصر.