أنطون سيدهم .. ومشوار وطني
أنطون سيدهم .. والقضايا الاقتصادية
** ونحن نواجه موقفا اقتصاديا تكتنفه مصاعب شتي.. علينا دراسة العوامل المختلفة التي أدت إلي هذا الموقف المتأزم وصولا إلي تشخيص الداء, ومن ثم تقرير العلاج الناجح مرتكزا علي إستراتيجية ثابتة, وليس حلولا عرجاء هي بمثابة المسكنات لمشكلات عاتية لا تجدي مع تعقدها وضخامتها أية مسكنات أو حلول جزئية.
هذه العوامل التي أدت إلي ما يعاني منه اقتصادنا في المرحلة الحالية تتلخص فيما يلي:
* الحروب المتتالية التي خاضتها بلادنا طوال الثلاثين عاما الماضية, وما استلزمته تلك الحروب من تكاليف باهظة وأعباء فادحة تفوق قدراتنا كدولة نامية تتحكم في مواردها اعتبارات معينة منها ضيق الرقعة الزراعية, وتخلف التطبيقات الحديثة للعلم والتكنولوجيا, مع تزايد رهيب في عدد السكان…إلخ.
أعباء الحروب هذه تتمثل في جيوب لابد أن تزود بالأسلحة المتطورة من طائرات ودبابات وذخيرة, وأن تكون في حالة تأهب دائم, الأمر الذي يزيد من التكاليف التي وصلت إلي عشرات المليارات بعضها استنفد ثروة البلاد, والبعض الآخر مازال دينا ثقيلا يورثنا الهموم من جسامة أقساطه وفوائده.
* السياسات الاقتصادية الخاطئة التي اتبعتها مراكز القوي في غير ضمير أو استشعار بالمسئولية القومية مما أدي إلي التدهور الذي تدفع ثمنه الفادح جماهير شعبنا.
* إهمال الزراعة إهمالا تاما, واتباع سياسات زراعية غير سليمة أدت إلي تدهور الإنتاج الزراعي مما دفعنا إلي استيراد المواد الغذائية بكميات كبيرة كلفت البلاد أموالا طائلة.. وأنه من المؤسف حقا أن مصر التي كانت مخزنا عالميا للغلال تصبح مشكلة الغذاء بالنسبة لها من أولي مشاكلها.. هذا في الوقت الذي تتوافر فيه العمالة والمناخ الملائم والمياه الوفيرة التي تذهب هباء إلي البحر المتوسط, وفي الوقت الذي تقوم فيه كليات للزراعة في كل إقليم تقدم المئات بل الآلاف من الخريجين الذين تسجنهم القوي العاملة في مكاتب التموين والمجمعات الاستهلاكية.
* الاتجاه إلي الصناعة بغير خطة سليمة.. كثير من المصانع أنشئ في غير حاجة ملحة, هذا فضلا عن استيرادها من الاتحاد السوفيتي, وكانت بكل الأسف لا تتمشي مع التكنولوجيا الحديثة, وبالتالي كان إنتاجها معيبا ومرتفع التكلفة, والنتيجة الطبيعية خسائر فادحة.
* السياسة التعليمية الخاطئة.. والمحصلة النهائية لمحنة التعليم تدهور مستوي الدارسين علي كل المستويات, وتكديس الجامعات بغير المؤهلين للدراسة فيها, والإسراف في إنشاء الجامعات -في غياب خطة مستقبلية واعية- حتي أصبح من السهل علي أي محافظة إقامة جامعة ما دام الأمر لا يحتاج إلي أكثر من فرض تبرعات إجبارية علي مواطني الإقليم, ثم تحويل المدرسة الثانوية إلي جامعة!.. أما المعامل والأجهزة والأساتذة فكل ذلك لا يهم!..
والنتيجة البديهية؟.. عشرات الآلاف من الخريجين تعج بهم المصالح والشركات في غير حاجة حقيقية إليهم.. إنها البطالة المقنعة.. وضياع مئات الملايين من الجنيهات من عرق الكادحين كانت أولي بها خطة سليمة واعية لزيادة التنمية والخروج من خانق الأزمة.
* إنها تركة مثقلة ورثها الرئيس أنور السادات.. والرجل يفعل المستحيل لعلاج الأخطاء المهولة التي أدت إليها.. والخروج بمصر من أزمتها قوية تبني نفسها من جديد.
إن الرئيس القائد بعد نجاحه الرائع في وضع حد للحروب التي أكلت اليابس والأخضر.. وكانت استنزافا دائما لاقتصادنا القومي وبالتالي إلي تأخرنا في مجال التنمية والأخذ بأساليب التطبيقات الحديثة للعلم والتكنولوجيا.. أقول بعد نجاح مبادرة السلام التي من ثمارها اتفاقية السلام فإن الرئيس يعمل بكل الحماس والإصرار علي معالجة الأخطاء جذريا, والرئيس القائد استشعارا لآلام الشعب وآماله بصدد إعداد خطة قومية متكاملة تعالج مشاكل الغذاء والإسكان والتعليم والبيئة والمعاملات الاقتصادية وحدود النمو.
إن الحلول الجزئية لكل مشكلة أن تؤدي إلي الإصلاح المنشود, والبناء الجديد المرتقب.
معارك البناء
* إن معارك البناء لا تقل في معاناتها عن معارك الدم..
ومن هنا فإن مصر تدعو كل بنيها لبذل الجهد من أجل حاضرها ومستقبلها ووجودها.
وعلي لجنة تجميع الحوار الذي دار بين السيد الرئيس وبين مختلف النقابات والفئات أن تسارع بوضع خطة عمل شاملة تتحول بمقتضاها التصورات والاقتراحات إلي واقع ملموس تشارك في صنعه كل طوائف الشعب صاحبة المصلحة الحقيقية في التغيير.
لا بد من تكوين لجنة من كبار العلماء المصريين والأجانب لدراسة الهيكل الاقتصادي لمصر, ووضع الأسس والنظم السليمة لبنائه من جديد في شتي المجالات, لإعادة بناء مصر من جديد وعلي أسس علمية وفنية حديثة.
وابتداء فإنه من الضروري دراسة ظروف الإنسان المصري.. إن التنمية ليست فقط مجرد النمو الاقتصادي, وإنما هي عملية -في الدرجة الأولي- تحيط بالعديد من الاعتبارات الإنسانية التي تتصل برفاهية الإنسان, ليس من النواحي المادية فحسب, بل ثقافيا ومعنويا بما يساعد علي تحقيق التغيير الاجتماعي والتقدم العام.
لا بد من النظر بعين الاعتبار إلي الإنسان الذي عاني, ويتطلع إلي رفع المعاناة التي أثقلت كاهله وخنقت ملكاته.. وبذلك ينطلق كل إنسان في مصر للعمل تحفزه قدراته الخلاقة -بعد أن توافر لها العدل والأمن والحرية- فيصنع المستحيل مؤديا واجبه كاملا فعالا في بناء مصر المستقبل.