حواء… في رحمها مفتاح الحياة, وفي دمائها عصير الأمومة, هل يتصور أحد دوام البشرية دونها؟! لا يمكن, فحينما خلقها الله قال: ليس جيدا أن يكون آدم وحده, فأصنع له معينا نظيره (سفر التكوين الاصحاح الثاني), وهنا يأتي القانون السمائي, الأزلي الأبدي, إنها معين أي شريك في العون والمسئوليات, وإنها نظير أي ند ومماثل, مساوية للرجل, ليست أقل ولا أكثر, ليست أفضل, ولا أدني, لم يخلق الله لآدم مجموعة من النساء ليختار بينها واحدة, لكنه خلق الواحدة في الشركة المقدسة, تلك الشركة التي شوهتها الأزمنة المتعاقبة, وجارت علي حقوق المرأة عبر ثقافات وأطماع ذكورية وتفسيرات انتهازية, طالت ليس فقط الممارسات التنكيلية بحواء, وإنما حتي التشريعات والقوانين التي بات بعضها يمثل حماية للرجال إن لم يكن في النص ففي التطبيق وهو ما وجب التنويه إليه بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة العنف ضد المرأة والموافق 25 نوفمبر من كل عام.
ذلك العنف الذي لا يقتصر علي الانتهاكات الجسدية والجنسية, لكنه يمتد إلي نظرة المجتمع ودعمه أو تخليه عن قضايا حواء, المجتمع هو المسئول الأول عن التطبيق, وللأسف كثيرا ما تغذيه الأنماط الأبوية التي تجبر النساء علي الخضوع للسلطة الذكورية أيا كان صاحبها في حياتهن, وأيا كانت نتائج أفعاله عليها, هل تدركون ماذا يعني أن واحدة من كل اثنتين من النساء اللاتي قتلن في عام 2017 في جميع أنحاء العالم, كان ذلك علي أيدي أزواجهن أو أسرهن, يجب التوقف ومراجعة القوانين التي تحمي أولئك القتلة. لأن ما يجري يمثل الجائحة الخفية التي تجتاح ضمائر معظم رجال العالم, إنها جائحة قهر المرأة وإجبارها علي الرضا بأنها الأضعف, وعليها الانصياع للتنكيل والتعذيب والتحرش والتسليع, يكفينا العلم بأن استغاثات النساء من العنف الأسري تضاعفت خمس مرات خلال فترات الحظر بسبب جائحة كورونا, فأيهما أخطر جائحة الأبدان أم جائحة القسوة في النفوس؟ ما تواجهه حواء يبرز الاختلالات في توازن القوي في القوانين والسياسات والممارسات في عالم ذكوري بالفطرة.
ولأن القوانين هي الحاضنة الشرعية لكل الممارسات التمييزية, علينا القاء نظرة سريعة علي أكثر المواد في قانون العقوبات إثارة للجدل, فالبرغم من أن الدستور أقر مبدأ المساواة أمام القانون, في المادة 11 منه والتي تنص علي أن: تكفل الدولة تحقيق المساواة بين المرأة والرجل في جميع الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية إلا أنه بمقارنة المادة الدستورية, بالقوانين التمييزية ضد المرأة في التشريعات المصرية نجد تمييزا فجا, فمازالت ترسانة التشريعات تحمل قوانينا تمييز به ضد المرأة في مصر, ففي المادة 237 التي تتحدث عن حالة مفاجأة الزوج لزوجته متلبسة بالزنا, فقتلها, يقضي القانون بعقوبة مخففة! وهي الحبس مدة لا تزيد عن ستة أشهر, وقد تقل لتصل إلي 24 ساعة ـ طبقا للمجلس القومي للمرأة, وبوابة محامي مصر ـ وتخفيف عقاب الزوج يعني أنه أفلت من العقوبات المقررة للقتل العمد أو للضرب المفضي إلي الموت, وسبب التخفيف هنا حالة الغضب والاستفزاز التي تسيطر علي الزوج حينما يفاجأ بزوجته متلبسة بالخيانة, ولو كان ذلك في غير منزل الزوجية, بينما إذا وقع العكس تعاقب الزوجة بعقوبة القتل العمد أي السجن المؤيد أو المشدد! ويشترط القانون ضبط الزوج في منزل الزوجية, تلك العقوبات تستند لفرضية غير إنسانية وهي أن الرجل من حقه قتل المرأة انتقاما لشرفه, والمرأة عليها أن تكون لوحا من الجليد وتقبل هادئة بالخيانة.
أما الطامة الكبري فهي المادة 60 من قانون العقوبات والتي تحمي أي فعل ارتكب بنية سليمة, ويستخدم هذا النص إزاء ما أسموه تأديب الزوج لزوجته مما يوقع ضررا كبيرا عليها بدنيا ونفسيا, وهنا لا تستطيع اللجوء للمحكمة ـ طبقا لدراسة المجلس القومي للمرأ حول المأمول في مكافحة العنف ضد المرأة في القوانين. وهو ما يرتب قبولها بالإهانات والضرب والتعذيب أحيانا, وربما لا يكون لديها مسكنا سوي مسكن الزوجية فتضطر مقهورة للاستمرار, فالشارع أيضا مزدحم بالذكور, الذين لا يقلون خطورة عن شريكها في المعشر.
التشريع والتطبيق كلاهما مرتبط بثقافة المجتمع وتفشي الذكورية النفسية, فالافكار العنيفة تجاه حواء قد تحملها بنات حواء أيضا نتيجة لاختلالات كثيرة ليس مكانها هذه السطور, ربما لا نستطيع إصلاح النفوس, لكننا من المؤكد يمكننا إصلاح المواد القانونية التمييزية لتحطيم الحاضنة الشرعية لقهر حواء.