ثم نسألكم أيها الإخوة أن تعرفوا الذين يتعبون بينكم ويدبرونكم في الرب وينذرونكم, وأن تعتبروهم كثيرا جدا في المحبة من أجل عملهم. سالموا بعضكم بعضا. ونطلب إليكم أيها الإخوة: أنذروا الذين بلا ترتيب. شجعوا صغار النفوس, اسندوا الضعفاء. تأنوا علي الجميع. انظروا أن لا يجازي أحد أحدا عن شر بشر, بل كل حين اتبعوا الخير بعضكم لبعض وللجميع. افرحوا كل حين. صلوا بلا انقطاع. اشكروا في كل شيء, لأن هذه هي مشيئة الله في المسيح يسوع من جهتكم. لا تطفئوا الروح. لا تحتقروا النبوات. امتحنوا كل شيء. تمسكوا بالحسن. امتنعوا عن كل شبه شر
(الرسالة الأولي إلي تسالونيكي 5:12-22)
سالموا بعضكم بعضا
سالموا بعضكم بعضا (1تس5:13)
موضوع السلام من الموضوعات الكبيرة والمهمة في حياة الإنسان, فعليك أن تتخيل أن الإنسان يعيش بدون سلام! فكيف تكون حياته؟ بالتأكيد لا تكون له حياة, فالله عندما خلق الإنسان خلقه في سلام.
لذلك نجد أن أكثر كلمة تتردد في أفواه الناس في جميع أنحاء العالم هي كلمة سلام فقد قامت منظمات لحفظ السلام, وتعطي جوائز لصنع السلام, وتقام مشاورات كثيرة من أجل إحلال السلام.
مجالات صنع السلام مع الآخرين:
أولا:ـ في البيت:
يذكرنا سفر الأمثال, بهذه الآية اللطيفة والمعبرة جدا عن حياتنا, وهي لقمة يابسة ومعها سلامة, خير من بيت ملآن ذبائح مع خصام (أم17:1), وهي آية تحمل تعبيرا بسيطا يمكننا جميعا فهمه, فهي تعني ببساطة أنه يمكننا أن نأكل خبزا وملحا, ويكون بيتنا مليئا بالسلام, أفضل من أن نأكل أكلا ثمينا وبيتنا مليء بالخصام.
ففي وسط الخصام لا يستطيع الإنسان أن يتمتع بشيء, لا بذبائح ولا بقصر ولا بصحبة.. لذلك ما أجمل البيت الذي يحل فيه السلام, ومن أجل ذلك كانت أولي وصايا ربنا يسوع المسيح لتلاميذه: وأي بيت دخلتموه فقولوا أولا سلام لهذا البيت (لو10:5).
فالسلام هو الأساس الذي نبني عليه كل ما نقوم بتعليمه, أننا نري بيوتا تخرب وأسرا تفكك, وعائلات تنقسم, وأبناء يضيعون, وإخوة يتنازعون, وأزواجا يتشاتمون, تخيل معي بيتا به تعاملات خشنة, ومشاعر جافة, وتعليقات لاذعة, وإجابات ملتوية بين أفراده, فالسؤال إن لم يكن بحكمة لا يصنع سلاما, وهكذا الإجابة إن لم تكن بحكمة لن تصنع سلاما, لذلك من أصعب ما نراه اليوم, هو اختفاء الحب والسلام من داخل البيوت!!
لقمة يابسة ومعها سلامة, خير من بيت ملآن ذبائح مع خصام (أم17:1), إن هذه الآية يمكن أن تعبر عن حياة الرضا والشبع, فالسلام أيضا يعطي قيمة صحية للأكل الذي نأكله.
فهناك تعبير شعبي متداول بيننا, يقال أثناء الأكل, وهو مطرح ما يسري يمري, وكلمة يمري تعني يفيد الإنسان صحيا, وهذا لن يحدث في وسط الخصام والنزاع!! مهما كان نوع الأكل مفيدا أو شهيا أو ثمينا, فليس المهم نوع الأكل, لكن المهم هو طبيعة الأكل, أو طبيعة الجو الذي نأكل فيه, إن كان جو خصام أو جو سلام وهدوء.
حينما يدخل الله إلي قلب الأسرة نجد كل شيء يتغير ليتناسب مع حلول الله في البيت, لنجد الحب المتبادل والعاطفة الحارة والقلوب الحانية والمشاعر المرهفة والتعاملات الرقيقة.. فيحيا الجميع معا في هدوء وسلام.
ثانيا:ـ في الكنيسة:
وهي المحطة الثانية لممارسة السلام, ونجد أنه من أكثر الكلمات تكرارا داخل الكنيسة, هي كلمة إيريني باسي بمعني السلام لجميعكم, ويرد الشعب علي الكاهن قائلا: ولروحك أيضا.
وأكثر صلاة تتكرر في طقوسنا عندما نصلي في الأواشي من أجل سلام الكنيسة قائلين: اذكر يارب سلام كنيستك, الواحدة الوحيدة المقدسة الجامعة الرسولية, هذه الكائنة من أقاصي المسكونة إلي أقاصيها, احفظها بسلام.
كذلك تصلي الكنيسة قائلة: السلام الذي من السموات أنزله علي قلوبنا جميعا, بل وسلام هذا العمر أيضا. إن الكنيسة تصلي يوميا من أجل سلام العالم, ومن أجل أن يحل السلام علي الأرض, لكن سلام العالم يبدأ بالسلام الصغير الذي في قلب الإنسان.
ونلاحظ أن أكثر كلمة تتكرر في الأديرة عندما يتقابل الرهبان هي كلمة سلام, فيقول أحدهم: سلام, فيرد الآخر: سلام ونعمة.
يقول معلمنا بولس الرسول: سالموا بعضكم بعضا, إن السلام عملية تبادلية بين الأشخاص بعضهم بعضا, فأحيانا حضورك أمامي يجعلني في سلام, والعكس صحيح, قد يكون حضور شخص آخر سبب تعب وضيق للحاضرين, فاجعل حضورك حضور سلام, ولا تظن أن حضورك إلي الكنيسة يكون من أجل حضور إحدي الصلوات أو ممارسة الأسرار فقط, الكنيسة هي الفرصة التي تشحن حياتك فيها بالسلام.
فعندما تدخل إلي الكنيسة, صل إلي مسيحك قائلا: إني حضرت إلي هنا لكي ما تعطيني سلاما في قلبي, أستطيع أن أعيش به وسط هذا العالم.
من القصص الجميلة التي وردت في تاريخ الكنيسة عن الأنبا بولا أول السواح, أنه عندما زاره الأنبا أنطونيوس كان أول سؤال سأله الأنبا بولا للأنبا أنطونيوس هو: ماذا عن سلام الكنيسة؟
فالقديس الأنبا بولا الذي عاش في السياحة والوحدة, وكان له سنوات كثيرة بعيدا عن هذا العالم وأخباره, كان أول شيء يسأل عنه هو سلام الكنيسة, حتي أنه اهتم بسؤال الأنبا أنطونيوس عن هذا السلام.