ادخل إلي ذاتك,افحص نفسك, ربما تفعل ذلك لأن جزءا منك عاجز عن إيقاف ذلك الوحشالجواني الذي لايري في النساء إلا قطعة لحم, وجبة جاهزة للالتهام, والجزء الآخر عاجز عن إيقاف غول الاعتداء الجنسي, فاخترت الأسهل علي نفسك والأنسب لمحدودية قدراتك أن تهاجم الطرف الأضعف, وتلقي باللوم عليه تتهمه بالفجور,والتواطؤ,والرضا بتسليم الجسد,هذا يفعله كل من يهاجم ضحية اعتداء جنسي.لمجرد أنها أفصحت,لكن مايجري علي منصات التشويه الاجتماعي لاعلاقة له بالقانون ولا بالإنسانية ولا بالضوابط.
للأسبوع الثالث علي التوالي, وقضايا التحرش والاعتداء الجنسي علي النساء تتصدر بيانات النيابة العامة,وعناوين الأخبار أشهرها, القضية المعروفة إعلاميا بقضيةفيرمونت ولمن لايعلم التفاصيل,كانت بدايتها بعد تصدر هاشتاج جريمة فيرمونت موقعتويتر شهر يوليو الماضي,مع مطالب بالتحقيق مع إدارة الفندق وقت وقوع الجريمة وتقديم المتهمين للمحاكمة, ومخاوف من التغطية عليهم بسبب ماتشير إليه الشهادات من انتماء المتهمين إلي أسر وعائلاتذات نفوذ أعلنت إدارة الفندق استعدادها للتعاون وتقديم المتهمين للعدالة, وفي5أغسطس أعلنت النيابة العامة بدء التحقيق في شكوي التعدي علي فتاة جنسيا بهذا الفندق في 21فبراير من عام2014, حينما اقتادها سبعة شباب خارج الحفل, إلي جناحهم, تحت تأثير مخدر وتناوبوا اغتصابها وعقب انتهاء جريمتهم كتبوا أسماءهم علي جسدها,بآلة حادة.
وبعد التحريات أمر النائب العام بضبط المتهمين… ورغم وضع المتهمين علي قوائم المنع من السفر وترقب الوصول إلا أنهم تمكنوا من الهرب إلي لبنان!!ثم أعادهم الإنتربول,وتم حبسهم علي ذمة القضية, ولم تمنع النيابة النشر في القضية لأنها قضية كل امرأة مصرية, وبعد بداية التحقيقات تقدم المتهمون ببلاغ مضاد ضد الشهود يتهمهم بإقامة حفلات جنس جماعي لإثبات أن ماحدث لم يكن اغتصابا بل كان بالتراضي, وبدأت النيابة العامة التحقيق في البلاغ الثاني أيضا وأصدرت بيانات لإجلاء الحقائق للرأي العام, مع الاحتفاظ بسرية بيانات الفتاة المبلغة.
بغض النظر عن تفاصيل تلك القضية, لأن الواقعة ربما تتكرر يوميا لكن الأزمة في أن ما استتبع ذلك من الناحية المجتمعية كان مرعبا,ففي الوقت الذي يتطور الأمر ليعيد المتهمين باغتصاب فتاة بالإنتربول,يلتقط المجتمع بلاغ المتهمين ضد الشهود والضحايا ليستخدمه دليلا لإدانة الضحايا وجلب التعاطف مع المتهم علي حساب الضحية وهو ما أثار انتباهي وتساؤلاتي.
أولا:تحول منصات التواصل الاجتماعي,إلي منابر سب وقذف في حق المبلغات في قضايا الاعتداء الجنسي بشكل عام وكأنه انتقام ذكوري جماعي من الناجيات حتي وصل الأمر لتسريب بيانات الفتاة المبلغة وصورها رغم أن النيابة أنصفتها, إلا أن المجتمع قرر فضحها ونشر صورتها أي أن العقاب مزدوج فضح وتشهير وإساءة جنسية وست سنوات أكلها جراد الوجع, وسنوات قادمة تبتلعها-مقدما-بئر التشويه إذا ثبتت صحة بلاغها.
ثانيا:لماذا يعشق مجتمعنا لغة الفضائح وينكر علي المرأة حقها في امتلاك جسدها وإرادتها دون وصاية من أي طرف؟ لماذا لا يقتنع مجتمعنا بأحقية المرأة في ارتياد مكان عام دون أن يصمها أحدهم بأنها ماجنة, لماذا يطمع بعض الرجال في جسدها فإذا لم ترض يقتادها بالإجبار أو بالتخدير؟لماذا حينما تتجرأ علي الحكي تجد الاتهام جاهزا والطعن في الشرف نافذا؟ لماذا يفتقر البعض لعدم القدرة علي التفريق بين ما يمكن أن تفعله فتاة أو امرأة من ممارسة حقها الطبيعي في الاحتفال أو حتي في الحب,أو الارتباط بشخص ما -برضاها- أو حتي إمكانية وقوعها في الخطية, وهو أمر وارد, فالصديق يسقط سبع في سبعين مرة كل يوم ويقوم وبين أن يتم إجبارهما أو اغتصابها عنوة؟
دعونا نذهب لأبعد من ذلك, دعونا نعترف أن بعض النساء متورطات في علاقات أو حتي انحرافات, فالمرأة بشر تحت الضعف والخطية فهل الانحراف مبرر لاغتصابها الإجابة,لا طبعا,فأحكام قانون العقوبات الصادرة بالقاهرة رقم 58 لسنة1937 المعدلة في عام2017 بشأن تغليظ العقوبات علي جريمة التعدي الجنسي تنص في المادة المعدلة 267 علي أن:كل من اغتصب أنثي بغير رضاها يعاقب بالإعدام أو السجن المؤبد ولم يذكر إذا كانت الأنثي أخطأت من قبل أم لا!!.
ثالثا:فكرة التجريس بالأسماء التي اجتاحت منصات التواصل الاجتماعي صارت مقبضة للنفس,فمن ناحية تجريس المبلغات صارت الضحية مستهدفة, وبعد أن كانت مستورة بوجيعتها,تحولت إلي فريسة الكل ينهشها, ساهم في ذلك خوف بعض الرجال من فضحهم في وقائع مشابهة وهنا يجب التنبيه إلي أن الغرض من البوح الذي تمارسه الناجيات هو التعافي وليس خوض معارك لا طائل قانوني من ورائها أو خلق أجواء انتقامية سيدفع تكلفتها أبرياء من أسر المتحرشين, وربما أبرياء من الرجال الذين ظلموا في وقائع مشابهة, فهذا الأمر دفع فئة من الرجال للتحفظ علي فكرة التجريس وإمكانية استخدامها كسلاح للتشويه والانتقام وهكذا قد تخسر النساء في نضالها ضد ظاهرة الاعتداء الجنسي دعم الرجال الذين يجدون في التجريس سلاحا ذا حدين ولهم الحق في ذلك لأن نشر شهادات الناجيات يجب أن يكون مصحوبا بضوابط تحمي الأبرياء.
وأخيرا إن لم تحظ معركتنا ضد ظاهرة الاعتداء الجنسي بتعاطف المجتمع سوف تؤول الأمور إلي ماهو أسوأ مع استمرار منصات التشويه بلا رادع.