أنطون سيدهم .. ومشوار وطني
أنطون سيدهم .. والقضايا الاقتصادية
بعدما تم التوقيع علي اتفاقية غزة أريحا بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية كثرت المناقشات بين الكتاب والمفكرين والاقتصاديين حول السوق الشرق أوسطية المزمع إبرام اتفاقاتها بين دول المنطقة, فمن قائل بابتعاد مصر عن هذه السوق ورأي آخر يقول أن تتقدم لهذا التنظيم بحذر وحيطة شديدة, كما يقول آخرون بوجوب الإسراع للاتصال بإسرائيل والدول المعنية بخصوص القيام بهذه الاتفاقية وسرعة تنفيذها, وكل من المتصارعين في هذا الموضوع المهم لمستقبل المنطقة بأكملها يحاول أن يؤيد رأيه بحجج وأسانيد ليقنع القراء بسداد وجهة نظره.
وبادئ ذي بدء, يجب أن نحدد موقف مصر من إسرائيل بعيدا عن الماضي البغيض والعداوات القديمة والحروب التي قضاها ضدها علي مدي خمسة وأربعين عاما مضت, فالعلاقة بين الدول لا تحددها العواطف وما اعتور الماضي البعيد أو القريب من آلام ومواجع, وهذا ما حدث علي مدي التاريخ في العلاقة بين الشعوب, فعدو الأمس يصبح صديق اليوم, وصديق اليوم قد يصبح عدو الغد, وأقرب مثل علي ذلك هو حرب الجواسيس بين روسيا وأمريكا وأوروبا بالرغم من العلاقات السياسية الطيبة القائمة بينهم الآن, تحسبا للمستقبل وما قد يأتي من مشاكل, بل وأنه من أهم ما يؤثر علي العلاقات بين الدول هي العلاقات الاقتصادية التي هي أساس العلاقات بينها والموجه الأساسي لسياستها ببعضها فليس هناك في العلاقات الدولية عدو أو صديق بل هي الفائدة المادية التي ستعود علي البلاد بعلاقاتها الخارجية, إن الضرر البليغ الذي حاق بمصر في عهد جمال عبدالناصر تسبب في أن جعل السياسة موجهة للاقتصاد وهذا خطأ كبير إذ يجب أن توجه المصالح الاقتصادية سياسة الدول.
الآن لنفكر بهدوء وبدون انفعالات أو شعارات لا يأتي من ورائها إلا التدهور والفقر, لندرس ما هي مصلحة مصر, ومصر فقط, وشعبها اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا, ماذا بعد السلام الشامل, يقول البعض إننا يجب أن نتعاون مع إسرائيل كمجموعة عربية واحدة, أن هذا أمر مرغوب فيه ونتمناه جميعا, ولكنه بعيد المنال, فلن تتحد كلمة الدول العربية, وخصوصا في المسائل الاقتصادية لاختلاف توجهاتها ومصالحها, ويجب أن نركز سياستنا الاقتصادية علي مصالحنا وظروفنا.
يجب ألا نهون من مركز إسرائيل الاقتصادي والسياسي العالمي, فلها ركيزة قوية ومؤثرة في جميع الدول تقريبا, كما أنها تجد مساندة فعالة من الدول الاقتصادية الكبري, هذا من ناحية, ومن الناحية الأخري, فإنه وضح أن الاتجاه العام في العالم هو تكوين التكتلات الاقتصادية, فأوروبا كونت السوق الأوروبية المشتركة التي طورتها إلي الوحدة الأوروبية بين اثنتي عشرة دولة لها مركزها وثقلها الاقتصادي والسياسي, بل لقد أصبحت الوحدة سياسية واقتصادية, وها أربع دول أخري تطلب الانضمام لها, وأني أعتقد أن الدول الأوروبية الأخري وخصوصا دول شرق أوروبا وروسيا ستعمل جاهدة للانضمام إلي الوحدة الأوروبية, وبذا ستكون قوة عظيمة في مقابل التكتلات الاقتصادية الأخري والمكونة من الولايات المتحدة الأمريكية وكندا والمكسيك, وكذا تكتل دول شرق آسيا وهي الدول السريعة التقدم الاقتصادي, إذا لقد أصبح العالم الصناعي والمتقدم تكتلات في مجموعات قوية ومنسقة تقودها سياسة اقتصادية مشتركة.
إن الدول الواقفة بمفردها في مواجهة هذا العالم السريع التحول والتقدم, ستجد نفسها عاجزة عن أخذ مكان معقول في مواجهة سياسات هذه التجمعات الخطيرة, ليس أمامنا في الشرق الأوسط إلا أن نكون تكتلا واحدا, يعمل وينظم نفسه ويدرس بجدية كيف يقف في هذا العالم الشرس بقوة واقتدار وينهض ويتقدم اقتصاديا واجتماعيا ساعيا وراء الازدهار.
نعم يجب أن تكون اتصالاتنا بإسرائيل بعيدة عن التهافت والاندفاع بل يجب أن تكون باتزان ودراسة عميقة, ولا يخاف علي مصر في تعاملها مع إسرائيل لسببين واضحين, أولهما أن لمصر ركيزة مهمة من شعب كبير وإمكانيات اقتصادية سواء كانت صناعية أو زراعية وسوق واسعة مستهلكة, كما أن لها من رجالها الاقتصاديين والسياسيين والخبرة الطويلة, ما يؤهلها للتعامل مع إسرائيل معاملة الند للند.
وثانيا فإن إسرائيل ستكون شريكة لنا في السوق الشرق أوسطية ومن مصلحتها نجاح هذه السوق وبالتالي نجاح أعضائها, إذا تخوف البعض من التعامل مع إسرائيل فهذا التخوف في غير محله ولا داعي له بتاتا, لاشك أن تعاون مصر بما لها من ثقل كبير في المنطقة وعلاقات دولية متميزة وإمكانيات ضخمة, مع إسرائيل وهي الأخري من أقدر دول المنطقة اقتصاديا وسياسيا, ذات العلاقات القوية علي المستوي العالمي, سيأتي بفوائد جمة ومنافع كثيرة للمنطقة.