أنطون سيدهم .. ومشوار وطني
تخرج علينا الجرائد يوميا ومنذ ما يزيد علي العام بأخبار ومشروعات الإصلاح الاقتصادي, وفعلا اتخذت بعض القرارات كتوحيد سعر الصرف واطلاقه حرا, وكذا إلغاء الحد الأعلي للفوائد وتركه لتحدده السوق وإصلاح القطاع العام بعد تغيير اسمه إلي قطاع الأعمال, ثم الدراسات المختلفة لإصلاح التعليم والتي مازالت مستمرة منذ سنوات وسنوات ولم يصلوا فيها إلي نتيجة بعد فمازال بائسا متعسرا متخلفا.
إن سيطرة الأجهزة الفاسدة علي الوزارات والمصالح الحكومية وشركات القطاع العام قد أصبحت حديث العام والخاص, فمن تسيب في العمل, إلي الإجازات المرضية والطارئة, وعدم القيام بواجبات الوظيفة سمة وشعار الموظفين مما يعاني منه المواطنون في جميع مناحي الحياة, فمن له مصلحة في أي جهة حكومية والمفروض أن تنتهي بزيارة لا تستغرق عشر دقائق, تستلزم الآن شهورا لإنهائها.. فمن تعالي الأسبوع القادم.. إلي نحن مشغولون وارجع لنا أول الشهر ثم يجب إحضار الأوراق اللازمة ولا هي لازمة ولا حاجة ثم الملف في المراجعة تعال بعد أسبوعين.. وهكذا.. حتي إذا ما انتهت العملية يكون المواطن قد حفي وأضاع أياما وأسابيع في الجري والرجاء وسكب ماء الوجه والإذلال.
لقد أصبح التسيب والاستهتار السمة الغالبة لموظفي الدولة.. فهناك التأخير في الذهاب للمصالح والتزويغ أثناء العمل لدرجة أنه بعد الساعة الحادية عشرة من الصعب أن تعثر علي أحد الموظفين شاغلا لمكتبه, بل وبعض الغرف بالمصالح خالية منهم تماما, والغريب في هذا البلد أنه بعد الساعة الحادية عشرة صباحا تزدحم الشوارع بالموظفين المزوغين, وفي زيارة لأحد رجال الأعمال الأجانب للقاهرة سألني ما هذا العدد الكبير من الرجال في سن العمل الذين يسيرون في شوارع القاهرة أثناء ساعات العمل؟ أكل هؤلاء عاطلون؟ وبالطبع فإن الذي دعاه إلي ذلك التصور أنك لا تجد في أي مدينة أوروبية أثناء ساعات العمل اليومية إلا كبار السن الذين أحيلوا إلي التقاعد.
أما الإهمال في أداء الواجب فحدث عنه ولا حرج, وما سرقات الآثار في المتحف المصري ببعيدة.. لقد تكررت سرقة قطع ثمينة منه لا تقدر بثمن, خلاف السرقات المستمرة من مخازن الآثار بالأقاليم, بل أن الإهمال قد أودي بكثير من الآثار إلي أن تهرأت وانهارت بسبب الإهمال في حفظها وصيانتها.
كما انتشرت السرقات والرشوة بطريقة بشعة لا يمكن تصورها, فالحرائق تلتهم مخازن القطاع العام وتودي بكل ما بها وخصوصا في مواسم الجرد السنوي, لإخفاء كشف ما سرق منها, أبلغ دليل علي ما يصاب به القطاع العام والحكومة من سرقات, هذا فضلا عن قضايا الرشوة التي أصبحت وباء في أجهزة الدولة, فمن له حاجة بالحكومة عليه أن يقدم المعلوم للموظفين كبارا وصغارا حتي يحصل علي حاجته وإلا فلن يصل إلي ما يريد.
أما التنمية التي تنادي بها الحكومة وتعتبر أساس التقدم الاقتصادي والعامل المهم لإنقاذ البلاد من العجز المستمر في موازين المدفوعات, والأمل الوحيد في تخفيض البطالة التي تتزايد سنة بعد أخري, فإن المستثمر الذي يبغي القيام بمشروعات فإنه يجابه بعداء سافر من بيروقراطية الموظفين.. وتتعطل أعماله حتي يفقد الأمل في البدء في مشروعه, وماذا يفعل وفي كل مكان في الحكومة يقابل كلص ومحتال.. ليس أمامه سوي أن يهرول هاربا بجلده!
أما إسراف هيئات الخدمات في مصاريفها والتسيب في العمل فقد أدي إلي ارتفاع فواتير الاستهلاك وها هي هيئة الكهرباء ترهق الجمهور بفواتير متضخمة ضج منها الجميع وقاعدة ادفع واشتكي وإلا يقطع التيار الكهربائي أصبحت مسلطة علي رقاب العباد, وهل ينظر في هذه الشكاوي؟ بالطبع لا وليذهب الجمهور إلي الجحيم, أما هيئة المياه فمصيبتها أكبر فقد وصلت فواتيرها إلي أرقام فلكية والرد الوحيد أن هذه هي التكاليف, وبالطبع التكاليف خيالية لأنه باعتراف أحد كبار الهيئة بأن الفاقد من المياه بلغ 60% من الاستهلاك بسبب انفجار المواسير لقدمها أو تدني أنواعها وكذا الإهمال في الصيانة وهكذا فإن الجمهور أصبح يتحمل الإهمال والاستهتار وسوء الإدارة, والشعب المطحون عليه تحمل كل هذه البلاوي.
هذه أمثلة من بعض نواح علي سبيل المثال لا الحصر, فكيف يتم الإصلاح وهذه الأجهزة الفاسدة المهملة تجثم علي رقاب العباد, وهل من الممكن أن يعطي الفساد صلاحا أو يخرج الشر خيرا؟ وكما تعلمنا فإن هذا مستحيل.