إن كنت أما أو أبا, رجلا كبيرا أو شابا, زوجا أو زوجة.. كيفما يكون وضعك ومجتمعك فسفر الأمثال يحكي لك كيف تكون إنسانا.. وكيف تكون ناجحا في حياتك.. وكيف تمارس إنسانيتك بالصورة التي رسمها الله في خلقتك علي الأرض.
لذلك يمكن أن نطلق علي سفر الأمثال دائرة معارف فهو يعلمنا الحكمة وإحدي مشكلات الإنسان اليوم أنه ناقص في الحكمة, ليس ليه قدر كاف من الحكمة سواء في كلامه أو أفعاله أو ممارساته وأقواله.. سفر الأمثال يعلمك كيف تكون حكيما…
العيون المتعالية
والعين نوعان:
1ـ عين متعالية: وهي عين متكبرة أرضية لا تري إلا نفسها.
2ـ عين مرفوعة: وهي عين متضعة مصلية, ذات صلة بالله. فهي إلهية لا تري في حياتها إلا يد الله التي تعمل.
نحن نستخدم عبارات… نظر إلي من أعلي لأسفل, نظر إلي بغضب, نظر إلي نظرة قاتلة, هذه لها عينان بريئتان كالأطفال, هذا الإنسان عيناه حزينتان أو ثاقبتان… إلخ
عبر التاريخ أنشغل الإنسان وأهتم بالعين وتأثيرها, فإشارات العين تعتبر جزءا أساسيا من القدرة علي قراءة موقف الشخص وأفكاره, وعندما يلتقي الناس للمرة الأولي يصدرون سلسلة من الأحكام السريعة علي بعضهم البعض اعتمادا في المقام الأول علي ما يرونه.
لذلك نود أن نتكلم عن العيون المتعالية من خلال ثلاث نقاط محددة:
أولا: كيف يري المتعالي نفسه؟ وكيف يتعامل مع الآخرين؟
ثانيا: كيف يري الآخرون المتعالي؟ وكيف يتعاملون معه؟
ثالثا: كيف يري الله الإنسان المتعالي؟ وكيف يتعامل معه؟
أولا: كيف يري المتعالي نفسه؟ وكيف يتعامل مع الآخرين؟
(1) رؤية المتعالي لنفسه:
* المتعالي يري في نفسه الإنسان الذي لا يخطئ أبدا, فهو بار في عيني نفسه, ولا يستطيع أن يقول كلمة متأسف وإن نبهه أحد إلي خطأ واضح, يبرر خطأه أو يغطيه بالكذب أو بالأعذار بعيدا عن التوبة والاعتراف, فهو علي الدوام صح لا يخطئ أبدا.
* يري نفسه أنه يجب أن يكون الأول دائما, يريد أن يكون اسمه لامعا, تكون كلمته هي الأولي, مكانه يكون واضحا, صوته أعلي.
* يعتز بذاته, يظن في نفسه أكثر من حقيقتها بكثير.
* يفتخر بقدراته ومواهبه, ويتكلم عن نفسه كثيرا, كما أنه يعتمد علي نفسه وليس علي الله.
* يرغب أن يعيش في حرية مطلقة, حتي لو أدي الأمر أن يعصي كل وصايا الله.
* يكثر الحديث عن نفسه وفضائلها وعن قدراته, وأن الأرض لم تنجب مثله من قبل ولا من بعد, لا يذكر أبدا أي ضعف من ضعفاته.
* يحب أن يري خضوع الغير له, يشتاق أن تكون له شعبية, وأن يكون محبوبا من الغير ومقبولا منهم.
مثال… هامان الشرير:
عندما دخل هامان أمام الملك سأله الملك, ماذا يفعل للإنسان الذي يحب الملك أن يكرمه؟ وكان بالطبع يقصد مردخاي الذي أنقذ حياته من الموت.
أما هامان المتكبر والمتعالي قال في نفسه من يسر الملك بأن يكرمه أكثر مني (أس 6:6)… ولذلك أخذ يفكر في نفسه.
ما هي التمنيات التي يود أن ينالها من الملك؟ ففكر أن يصير مثل الملك في العظمة, فاقترح علي الملك:
* تعطي له ملابس الملك ليلبسها.
* فرس الملك ليركب عليه.
* تاج الملك يوضع علي رأسه.
* أحد رؤساء الملك يأخذ هذه الثلاثة ويعطيها لهذا الرجل ويسير أمامه في ساحة مدينة شوشن القصر مناديا بأن: هذا هو الرجل الذي يريد الملك أن يكرمه.
فأمره الملك بأن يصنع هذا مع مردخاي وأن يكون هوالشخص الذي يسير أمامه, وفعل هامان بالتدقيق كل شيء ولكن كان مغتما في قلبه جدا. وبعد أن كان هامان يعد صليبا لمردخاي, صارت هذه الوسيلة من العقاب لهامان نفسه.
إن الكبرياء والتعالي تعمي عيني الإنسان فلا يري الحقيقة وتسقطه في الأنانية فلا يري إلا نفسه, مما يعرض نفسه لمتاعب كثيرة تؤدي في النهاية لهلاكه.
(2) تعامل المتعالي مع الآخرين:
* يعامل الناس بعجرفة, فيظهر ذلك في نظراته, في مشيته وجلوسه, في أسلوب كلامه, ينظر إلي الناس من فوق, يتجاهل أصدقاءه القدامي.
* يميل إلي السيطرة في معاملاته, لأنه يطلب أن يكون دائما في المقدمة, ويجد متعة في كسر النظم, والتعالي علي الأوضاع السائدة.
* يجد متعة في إصدار الأوامر, ويكون له أتباع ينفذون تعليماته دون سؤال أو مناقشة, ويجد متعة في الاستماع لمدح الناس له.
* قد يجرح إحساس إنسان دون أن يعمل حسابا لذلك.
* في تعامله مع الآخرين يميل للأخذ أكثر من العطاء.
* قد يتكلم عن الغير بأسلوب غير لائق, فيه الإدانة والشتائم وألفاظ التجريح والألفاظ القاسية… وفي كل ذلك لا يحسب نفسه أرتكب خطأ, بل هذا من حقه, رغبة في الإصلاح والغيرة.
* إن لم يقتنع غيره برأيه, يثور ويغضب, ما دام لم يستطع معالجة الموضوع بالرأي والفكر والإقناع.
مثال… رحبعام بن سليمان:
ملك رحبعام بعد أبيه سليمان إلا أنه لم يكن حكيما مثل أبيه رغم كبر سنه (41 سنة) فأتي إليه جماعة إسرائيل وطالبوه بأن يخفف عنهم الضرائب والأوامر القاسية, ليكون شرطا لخضوعهم له.
في أول الأمر استشار الحكماء من الشيوخ الذين عاونوا أباه سليمان, وقالوا له: إن كلمتهم باللين وراعيتهم سيخضعون لك طوال حياتك.
إلا أنه سمع لنصيحة الشباب, فكانت مشورتهم مختلفة بأن يكلمهم بكبرياء وقسوة, ليضمن خضوعهم, وأشاروا عليه أن يقول لهم: إن خنصري (الأصبع الصغير) أغلظ من وسط أبي (نهاية الظهر) (2 أخ 10:10). وهذا يعني أنه أقوي وأقسي من أبيه, وإن كان ضربكم بالسياط, فأنا أعاقبكم بالعقارب. وبالفعل عندما جاء إليه ممثلو الشعب مرة أخري استخدم معهم ألفاظا قاسية وعمل بنصيحة مستشاريه من الشباب, فانقسمت المملكة ولم يتراجع رحبعام عن كبريائه وتعاليه.