من رحم الصعيد الطيب جاء إلي شرالمدينة القاسية, إلي العاصمة, بعد أن ساهم في زواج إخوته, الذين تخلوا عنه حينما تراكمت الأوجاع علي جسد زوجته وتطلبت حالتها الصحية إجراء جراحة قلب مفتوح, ولجأ العم إبرام إلي إخوته الذين ساعدهم من قبل, لجأ إليهم والعشم في الوريد شلال, لكن مياه الشلالات تسقط دائما بفعل الجاذبية الأرضية, هكذا أيضا يسقط العشم في أعمق حفرة, مدفونا فيها رغم الحياة, وكلما اشتدت المحن, ينبش تراب الكرامة عنه ليتلقي صدمة جديدة تعيده إلي حفرته من جديد, ويظل عشم عم إبرام ساقطا في حفرة التخلي.
غادر الرجل- بلاعشم- منزل العائلة في عام 2009, واستأجر سكنا في القاهرة العظيمة في إحدي المناطق العشوائية, داخل منزل متهالك الجدران استقرالعيش به وبأسرته, في عمق قاع المجتمع يفتشون عن رقعة للاحتماء بها, من رقعة لرقعة سلمتهم الليالي الباردة, حتي اتخذوا مسكنا لمدة ثلاث سنوات-إيجار جديد- قيمته400 جنيه, ومع تكرار الانتقال, تبخر الأثاث, فلم يعد لديهم سوي سريرين للأسرة وكنبة, وأشياء لاترقي لمستوي الأثاث.
ورغم كل صعوبات السكن التي واجهتها هذه الأسرة, إلا أن زوجة عم إبرام أجرت جراحة القلب المفتوح, لكنها لم تلبث أن أتمت عامين علي الجراحة الأولي حتي تطلبت حالتها إجراء قسطرة قلب, ثم توالت الضربات ومن أزمة لأزمة سلم المرض هذه السيدة إلي الجراحة الثالثة لاستبدال صمام في القلب, ولأن أجسادنا تخون إرادتنا في الحياة أحيانا, خانتها عضلة القلب الضعيف فلم تحتمل مزيدا من الجراحات, واكتفت بما آلت إليه, ولم تكتف الأقدار بعد.
فضعف عضلة القلب تسبب في مشكلة كبدية بسبب تلف الصمام الثلاثي, الذي يؤدي إلي تجمع المياه في البطن استسقاء ويتطلب علاجا جديدا, والرجل لايملك, كما أن وضع زوجته حاليا يتطلب تحاليل وأشعة تليفزيونية دورية ولا إمكانيات, وعلاج ثابت شهريا تساهم الكنيسة في جزء منه, حيث يذهب الرجل بروشته الطبيب إذا وجد العلاج في الكنيسة يحصل عليه بلا مقابل, والأنواع غير الموجودة تدفع الكنيسة نصف ثمنها فقط.
وهذا هو النظام المعمول به. وبالطبع لايتمكن من دفع النصف الثاني من المبلغ لأن راتبه ألفا جنيه فقط, يدفع منها 750جنيها, شهريا مقابل سداد أقساط قرض كان قد حصل عليه لظروف زواج ولده, ويتبقي 1250 جنيها يتم توزيعها بين الإيجار والنور والمياه والغاز,والمعيشة, وتعليم الأبناء!!تتحمل الكنيسةشنطة بركة كل شهر, وملابس العيد مقابل دفع خمسين جنيها لكل فرد من الأسرة, حتي يشعر المحتاج أنه ساهم في شراء الملابس!!طبقا لكلام راعي الكنيسة الذي تيقننا منه من صدق الحالة.
حينما سرد عم إبرام ظروفه, وجدتني أتساءل في نفسي, كيف يمكن لهذه الأسرة أن تعيش بلا سند؟كيف يمكن أن يعول الإبناء والبنات والزوجة المريضة, والبحث عن العلاج, والالتزام في العمل, والالتزام بالكرامة, دون أن يمد يديه لطلب المعونة من أكثر من جهة وشخص, وماذا فعل حينما يصل لسن المعاش بعد شهور ويتم اقتطاع جزء لا يستهان به من راتبه؟
فالعم أبرام يبلغ من العمر59عاما, ويعمل أمين عهدة لمادة التربية الزراعية في إحدي المدارس, لديه خمسة أبناء, تمكن من إتمام رسالته من أكبرهم حتي تزوج وأنجب ويحتاج حاليا لمن يساعده, وطبعا لا يستطيع مساعدة والده, أما الابن الأوسط, فقضي فترة الجندية بعد أن فشل والده أكثر من مرة في توفير مبلغ600 جنيه رسوم دخول امتحانات الثانوي الصناعي, ويحل ضيفا في الإجازات الرسمية لحين انتهاء مدة تجنيده وخروجه لمساعدة والده وثلاث فتيات في مراحل التعليم المختلفة الإعدادي والثانوي.
حينما جاء عم إبرام بدت علامات البؤس علي ملامحه في نبرة صوته في إيقاع كلماته حينما تستمع إليه لايمكنك إلا أن تتعاطف مع عباراته النابعة من عمق الضيق وآخر مشوار المعافرة مع الحوج وهو يقول:ياريت أنا اللي كنت عيان, بدل ما أنا عايش في عذاب كده, عايش مع الخوف خايف بعد ما اطلع معاش أيه هايجري لي خايف علي البنات لو مراتي ماتت مين يرعاهم, وجودها حتي لو مريضة مهم ليهم جدا, خايف حد تاني يعرف أني جيت لكم اطلب مساعدة ومرعوب أخسر شنطة البركة خايف أكون السبب في موت مراتي لأني مش عارف أوفر كل العلاج,لأن العلاج بـ250 جنيه غير علاج المعدة بـ 95 جنيه لازم ادفع 110 جنيه علشان اقدر آخده لو مش معايا أروح فين؟
وخايف من الإيجار المتراكم خمس شهور علي كتفي لو طردوني أروح فين بالبنات, خايف من المستقبل هاعيش وأجوزهم, ومين هايقبل بحالنا أصلا, بنات الفقراء العشم في جوزهم ساقط, والناجح منه فاشل,أنا مش مقصر, من سبع سنين كنت شغال في ورشة بتعمل منظمات أنابيب وفي يوم حصل حريق ومن ساعتها بطلت أشتغل شغل إضافي وسني كمان كبر مابقتش قادر علي مجهود كتبر.
ويقول عم إبرام باكيا:كنت مستور والزمن كشفني وذلني, زعلان من ظلم الدنيا وتخلي الأهل, بعث كل حاجة مافيش حاجة تاني أبيعها,بعت كنبتين والمروحة, وحتي المكواة والهدوم بعت كل شيء, ومش عارف اعيش, ساعات باركن عشمي الساقط في إخواتي علي جنب واتصل بحد منهم ميردوش علي تليفوني ويضيع عشمي فيهم من جديد, ويفكرني وهو بيقع أن الفقير ريحته وحشة, وصوته وحش, الفقير كلامه مابيعجبش, مبيونسش المستغني عنه, ما بيحننش القاسي.
أنا تعبان ساعات أقول نفسي أموت وأرتاح من المسئولية وارجع أقول له يارب أوصل في العمر بقية علشان البنات.
تنوية مهم:بسبب الزحام الشديد في مكاتب البريد لم يتمكن بابافتح قلبك من استلام بعض المبالغ التي وردت إليه عبر حوالات بريدية خلال الأسبوع الماضي خاصة مع تقليص عدد ساعات العمل في مكاتب البريد لذلك سيتم نشر المبالغ تباعا في الأعداد القادمة بعد تحصيلها.